وشاع السرور في نفس يوري بكل شيء: برائحة الفلاحين والخبز الجديد وضوء النار والجذع الضخم الذي كان جالسا عليه ووجه كوسما كلما أطرق. وكان إذا رفع رأسه يلفه الظلام ولا تظهر منه إلا عيناه، وكانت الظلمة الطاغية فوقهم تكسب المكان المضاء بهجة وأنسا.
وكان يوري إذا رفع رأسه لا يرى شيئا ثم لا تلبث السماء الشاسعة الساكنة أن تبدو متألقة فيها نجومها البعيدة. على أنه حيره أنه لا يعرف ماذا يقول لهؤلاء الفلاحين.
وكان كوسما وسانين وريازانتزيف يحدثونهم بلا كلفة وببساطة عن هذا الأمر أو ذاك ولا يهتمون بأن يتخيروا موضوعا خاصا للكلام. ولما انقطع الحديث سألهم: «كيف حال الأرض؟»
وأحس أن سؤاله متكلف لا محل له فرفع كوسما لحظه وقال مجيبا: «سنصبر. سنصبر ونرى.»
ثم طفق يحدثهم عن حقول البطيخ وغيرها من الشئون الخاصة ويوري يزداد ارتباكا وحيرة وإن كان قد سره أن يصغى إليه.
وسمعوا وقع أقدام مقبلة وظهر في الضوء كلب أحمر صغير ذنبه أبيض ملتو وجعل يشم يوري وصاحبه ويحك جسمه بركبة سانين فمسح له هذا جلده الخشن. وجاء على أثر الكلب شيخ قصير له لحية خفيفة وعينان صغيرتان لامعتان. وفي يده بندقية صدئة ذات خرطوم واحد فقال كوسما: «إنه الجد حارسنا.»
وجلس الشيخ على الأرض ووضع إلى جانبه سلاحه وأقبل يتأمل يوري وصاحبه. ثم قال وكشف عن لثاه المجعد المشوه: «كنتما تصيدان؟ نعم. نعم. هاها! كوسما لقد آن أن تغلي البطاطس.» فالتقط ريازانتزيف بندقية هذا الشيخ وأرى يوري إياها ضاحكا، وكانت قديمة علا الصدأ كل أجزائها، ثقيلة مشدودة بسلك ملفوف عليها، وقال لصاحبها: «أي بندقية هذه؟ ألا تخشى أن تصيد بها؟»
أجاب الشيخ: «هاها. لقد كادت تقتلني مرة. قال لي ستيبان شابكا إن المرء يستطيع أن يطلقها بدون إسطوانة. هاها. بدون أسطوانة. وقال إنه إذا كان في البندقية مقدار من الكبريت باقيا فإنك تستطيع إطلاقها بغير أسطوانة، فوضعت البندقية المحشوة على ركبتي هكذا وأطلقت زنادها بأصبعي هكذا ... انظروا، فانطلقت وكدت أقتل نفسي. هاها. حشوت البندقية وأطلقتها وكدت أقتل نفسي.»
فضحكوا جميعا وانحدرت دموع السرور من عيني يوري وما كان أمتع هذا الشيخ الضئيل ولحيته الخفيفة وشدقيه الغائرين.
وضحك الشيخ كذلك حتى دمعت عيناه وجعل يردد قوله: «كدت أقتل نفسي! هاها»
Unknown page