واعلموا علمكم الله الخير أن الشيء الواحد قد يكون زيادة لقوم ونقصانا لآخرين، كما قال الله تعالى: (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا) (8)
والبرق واحد يطمع فيه قوم ويخاف منه قوم كما قيل في التفسير طمعا للمقيم وخوفا للمسافر، فالشيء الواحد أخبر الله تعالى عنه أنه يطمع (9) من وجه ويخيف من وجه.
كذلك السماع إلى صوت واحد ، يتلهى به قوم ويتعظ به قوم، وكذلك الشمس إذا طلعت على النبات أحرقت بعضه بحرها وزينت (10) بعضه (11) والشمس واحدة وحرها واحد، لكنها تؤثر في كل شيء على ما يليق بها من حالة وصفته، كذلك السماع إذا ورد على الأسرار ربما ترد (12) نفوسا إلى حظوظها من متابعة هواها، ورجوعها إلى ما يليق بطبائعها.
وربما تحمل نفوسا على الاتعاظ به ورؤية الزيادة فيه، وربما يغني نفوسا عن حظوظها ويردها إلى حظر (13) الحق فيها، لأن السماع شيء واحد، والتلوين في المستمعين.
كما سمعت محمد ابن الحسن المخرمي (14) يقول: "سمعت جعفرا الخلدي (15) يقول: سمعت الجنيد (16) يقول: السماع من حيث المستمع وذاك أن أجل ما سمع المستمع القرآن لأنه شفاء ورحمة وهدى وبيان، وأدون ما يسمعه الشعر، فقد يكون سماع القرآن عصي على مستمعيه وإن كان هو شفاء ورحمة ويكون الشعر حكمة في قلب مستمعيه وإن هو الغوي (17) في نفسه، ألا ترى الله تعالى: (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر حكمة" (19) فعلمت بهذا صحة ما قاله الجنيد.
Page 3