فمكثنا به يوما لم نستطب فيه يقظة ولا نوما ، ثم ارتحلنا منه إلى (الليث) (1) فألفيناه قد كشر عن نابه ، وتحملنا منه تالين ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) (2). ثم أتينا على (ذكوان) منزل طاب لنا فيه الوقت والأوان ، يشتمل على نخلات باسقة ، وشجرات فاغية (3) متناسقة ، وهو قريب من البحر ، بينه بينه وبين السيف مسير ساعة مع عذوبة مائه وطيب هوائه.
يزهى ببر وبحر من جوانبه
فالبر من طرف والبحر من طرف
وفيه كان أول مشاهدتنا للبحر الزاخر ، والفلك الماخر ، فهالنا من أمر البحر ما رأيناه ، ووددنا إن لم نكن نراه ولا راءيناه (4). ولما اكتسى الجو ثوب الأصيل أخذ الركب في التقويض والرحيل ، فما سرنا قليلا حتى ضللنا الطريق ، فتفرق لذلك جمع الفريق ، فصار الطريق طريقين ، والفريق فريقين ، وكانت ليلة نجمها مغموم ، وغيمها مركوم ، فلم نزل نقطع تلك الفلاة اليهماء ، ونخبط تلك الليلة الدهماء ، حتى نشر الصبح راياته ، وأرانا الله سبحانه آياته ، فهدانا إلى (الوادين) (5) وهو أكرم الهادين ، وهو المنزل الذي قصدناه ، والموضع الذي أردناه ، فالتأم به جمع القوم ، وأقمنا به ذلك اليوم ، وعلى ذلك قلت (من قصيدة مدحت بها الوالد) (6):
Page 42