وفي المنزل المذكور وقع بين بعض الخدم والمكارين كلام أفضى بهم إلى جراح وكلام ، فعطب من المكارين رجلان وكانوا نحوا من خمسين نفسا ، فاستجاشوا (1) من حولهم من العرب ، وأعولت الحرب بيننا وبينهم بالحرب ، فانتدب لهم من الترك كل غلام لا يعرف إلا جاره ، والعرب تخالهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة ، فتفلقت من الفريقين رؤوس وهام ، بعصي وحجارة أغنت السيوف والسهام ، وآلت الحال إلى قول من قال :
عصي مكللة بالرؤوس
ورؤوس مكللة بالعصي
حتى حال بينهم الليل ، فضعف منهم الحيل ، وقد قال بعض الحكماء : من الخصال المذمومة في السفر سوء عشرة المكارين ، وملاقاة الهوان من العشارين ، وعلى ذلك حدث أبو بكر محمد بن المظفر الساماني قال : ضجرت في بعض أسفاري من غلام لي استقصرته في خدمتي ، وحضرني جرير الطبيب (2) فأنشدني :
أكرم رفيقك حتى ينقضي السفر
إن الذي أنت موليه سينتشر
ويروى أن عمر بن الخطاب قال لرجل زكى عنده رجلا ليقبل شهادته : هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ فقال : لا ، فقال : ما أراك تعرفه.
وبالجملة فحسن الصحبة ، ومكارم الأخلاق عموما ، وفي السفر خصوصا من الأمور المحضوض عليها شرعا وعرفا وبالله التوفيق.
Page 39