مات الرجل منهم وكان له زوجة جعلت له دائرة عظيمة من الحطب كالحظيرة فيوضع الرجل وسطها وذلك قبل أن تؤجج ، ثم تأتي زوجته وقد لبست أفخر ثيابها مضمخة بالدهن المطيب ، وتحلت بجميع حليها ، وقد زفها أهلها وقرابتها جميعا وغيرهم ممن هو على ملتهم ، فتقف عند زوجها في وسط تلك الحظيرة (1) وهي تمضغ ورق التانبول ، وتتكلم وتضحك غير مكترثة بالموت. وقد ضرب لها وتدان في تلك الحظيرة من الحطب فتربط رجلاها فيهما بسلسلتين من الحديد ، ثم يصب الدهن على ذلك الحطب وتضرم النار وتؤجج. فإذا اتقدت النار ولحقت المرأة رفعتها عن الأرض فيمنعها قيد رجليها عن أن تلقيها إلى خارج ، فلم تزل ترتفع وتنحط حتى تفارق روحها بدنها.
وذكر الشيخ البهائي (*) في كشكوله (2): أنه استمرت العادة في أقاصي بلاد الهند على إقامة عيد كبير على رأس كل مائة سنة ، فيخرج أهل البلد جميعا من شيخ وشاب وصغير وكبير إلى صحراء خارج البلد فيها حجر كبير منصوب. فينادي منادي الملك : لا يصعد هذا الحجر إلا من حضر هذا العيد قبل هذا ، فربما جاء الشيخ الهرم الذي ذهبت قوته وعمى بصره ، والعجوز الشوهاء وهي ترجف من الكبر ، فيصعدان على ذلك الحجر ، أو أحدهما ، وربما لا يجيء أحد ويكون قد فني ذلك القرن بأسره. فمن صعد ذلك الحجر نادى بأعلى صوته : قد حضرت العيد السابق وأنا طفل صغير ، وكان ملكنا فلان ، ووزيرنا فلان ، وقاضينا فلان ، ثم يصف الأمم الماضية من ذلك القرن كيف طحنهم الموت وأكلهم البلى ، وصاروا تحت أطباق الثرى. ثم يقوم خطيبهم فيعظ الناس ويذكر الموت ، وغرور الدنيا ولعبها بأهلها ، فيكثر في ذلك اليوم البكاء ، وذكر الموت والتأسف على صدور الذنوب ، والغفلة عن ذهاب العمر. ثم يتوبون ويكثرون الصدقات ، ويخرجون من التبعات. انتهى.
Page 235