رأي الشافعي في الوقت: قال الشافعي ﵁: صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين. أحدهما قولهم: الوقت سيف فإن لم تقطعه قطعك وذكر الكلمة الأخرى. فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر أسرع من مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته، وإن عاش فيه طويلًا فهو يعيش عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته. وإذا كان العبد وهو في الصلاة ليس له من صلاته إلا ما عقل منها، فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله وليعلم الإنسان أنه ما من خطرة إلا وتكتب إما حسنة وإما سيئة وقد نهى عن السعي من غير حاجة.
اختر كلماتك جيدًا:
وأما اللفظات: فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة، بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر هل فيها فائدة وربح أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر، هل تفوتة بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه، وإذا أردت أن تستدل على ما في القلوب فاستدل عليه، بحركة اللسان، فإنه يطلعك على ما في القلب شاء صاحبه أم أبى.
اللسان يكشف عما في القلب!:
قال يحيى بن معاذ: " القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها فانظر إلى الرجل متى تكلم فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من حلو وحامض، وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه ".
مدخل الاستقامة:
وفي حديث أنس المرفوع: " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ".
مفتاح دخول النار:
وسئل النبي ﷺ عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: " الفم والفرج ". وفي الصحيحين: من حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقى لها بالًا يرفعه الله درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى لها بالًا يهوى بها في جهنم ". وفي جامع الترمذي من حديث أنس ﵁ قال: " توفى رجل من الصحابة ﵃ فقال رجل: " أبشر بالجنة! فقال رسول الله ﷺ: " أو لا تدري فلعله تكلم فيما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه " وقال: حديث حسن. وفي الصحيح: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت " وفيه حديث: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وفي حديث: " كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله ".
قال: واختلف السلف ﵃ والخلف هل يكتب جميع ما يلفظ به؟ أو الخير والشر فقط؟ على قولين: أظهرهما الأول. وقال بعض السلف: " كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا ما كان من ذكر الله تعالى وما والاه ".
خصال اللسان المحمودة:
واعلم أن في اللسان عشر خصال محمودة: دليل يظهر به البيان.
وشاهد بخير عن الضمير.
وحاكم يفصل الخطاب.
وواعظ ينهى عن القبيح.
وناطق يرد الجواب.
وشافع تدرك به الحاجة.
وواصف تعرف به الأشياء.
ومعرب يشكر الله ﷿. والإخوان.
وحامد يذهب الضغينة.
وموثق يلهي الأسماع.
وأما الخطوات: فحفظها بأن لا ينقل قدمه إلا فيما يرجو ثوابه عند الله، فإن لم يكن في خطاه مزيد ثواب فالقعود خير له، ولما كانت العثرة عثرتين: عثرة الرِّجل، وعثرة اللسان، جاءت إحداهما قرينة الأخرى في قوله تعالى: (وَإذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا) . فوصفهم الله بالاستقامة في لفظاتهم، وخطواتهم، كما جمع بين اللحظات والخطرات في قوله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأُعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) .
في ترك الفضول توفيق للحكمة:
1 / 5