Sahyuniyya Calamiyya
الصهيونية العالمية
Genres
واعترضت أمم أخرى على اعتبار اليهود من الوطنيين: لأن الوطنية لا تقبل الولاء لوطنين اثنين، وكان اليهود قد أخذوا في ذلك الوقت ينادون بالوطن القومي على اختلاف بينهم على موقعه: أين يكون وكيف يكون؟
وفي هذه المرحلة صدر كتاب موريتس هيس
Moritz Hess
بعنوان رومة أورشليم، ومداره كله على ضرورة الاعتراف بوطنين للشعب اليهودي، وعلى اعتبار أورشليم مركزا لليهودية كما تعتبر رومة مركزا للكنيسة المسيحية الكبرى.
ومما يؤيد تلفيق الدعوى الدينية في مسألة الصهيونية الحديثة، أن إمام هذه الصهيونية الأكبر تيودور هرزل لم يفكر فيها إلا بعد سنوات من صيحته الأولى في سبيل «خلاص اليهود»، وإنما كانت فكرته الأولى تحويل اليهود إلى المسيحية، وإنشاء مدرسة في فيينا لابتداء هذه المحاولة، وإقناع الجاليات اليهودية بين الأمم الأخرى بمحاكاتها، ثم نظر اليهود فوجدوا لهم «لزوما» في دسائس الاستعمار ومساعيه الخفية الظاهرة، ووجدوا لهم «لزوما» في عصر الصناعة والطرق التجارية خلال بلاد الدولة العثمانية، ووجدوا لهم «لزوما» في عصر المسألة الشرقية وتفاهم الدول المستعمرة على تقسيم تركة الرجل المريض ومنها فلسطين، فجاءت الصهيونية بعد ذلك كله «وليدة» السياسة كما كانت وليدة لها في أقدم عهودها.
وقبل أن تشتبك الصهيونية والمطامع الدولية خطر لليهود أن يصححوا مراكزهم ويلائموا بينهم وبين العصر الحديث بوسائل متعددة. لم تعرض لهم فكرة «الوطن القومي» إلا في نهاية المطاف.
فأنشئوا جماعة هكسالا أو «شكل» في ألمانيا لتجديد العقيدة والتوفيق بين التربية الدينية والتربية العصرية، وأنشئوا جماعة «حلوقة» على غرار الجماعة القديمة التي كانت تجمع التبرعات من أنحاء الأرض، لإيواء الشيوخ والعجزة في أورشليم وصفد وطبرية وغيرها من مواقع فلسطين التي يكثر فيها اليهود، وطمع بعضهم بقيادة موسى مونتفيور في شراء البقاع الواسعة في فلسطين من محمد علي الكبير لتعميرها بالزراع من المهاجرين، وتألفت في الآستانة جماعة اليهود الروس المعروفين باسم «بيت يعقوب» لتشجيع الهجرة بعد استئذان السلطان.
فلما شعر اليهود بسهولة الطمع في «الوطن القومي» رفضوا هذه المحاولات جميعا، واندفعوا إلى فكرة «الدولة اليهودية» ولم يقنعوا بالوطن القومي لمجرد السكنى والتعمير.
ولكنهم - حتى في هذه المرحلة - لبثوا مترددين في اختيار الموقع بين أوغندة في إفريقية، وإقليم من الأقاليم الخالية في الولايات المتحدة، وبقعة من البقاع على البحر الأسود بين روسيا والبلقان، وكانت طائفة من أقوى جماعاتهم الدولية وأكبرها - وهي طائفة عقودة إسرائيل - تعارض فكرة الوطن القومي إلى أيام الحرب العالمية الأولى، ولم تعدل عن معارضتها إلا بعد إعلان وعد بلفور.
وظلت فكرة الوطن القومي، أو فكرة الدولة اليهودية، كالسحاب الذي يتشكل على حسب أوهام الناظرين إليه، حتى أوشك القرن التاسع عشر أن ينتهي دون أن تستقر على وضع محدود، ثم تبلورت على شكل ثابت في مؤتمر بال بسويسرة سنة 1897، وتم تشكيلها على الوضع الأخير بوعد بلفور بعد عشرين سنة.
Unknown page