يقول بن مالك: «وقام منهم العباس بن عبادة بن نضلة موضحا لهم ملخص ما تم الاتفاق عليه، فقال: يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعون على حرب الأحمر (اليهود) والأسود (قريش) من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذ نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا، أسلمتموه؟ فمن الآن، فهو والله خزي الدنيا والآخرة إن فعلتم، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف، فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف.»
أين هنا الدولة؟ العقبة الأولى كانت تمهيدا للهجرة، وكانت اتفاقا سريا غير علني والدول غير سرية، العقبة الثانية سرية لتنفيذ الاتفاق، ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «ارفضوا إلى رحالكم. فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غدا على أهل منى بأسيافنا، فقال
صلى الله عليه وسلم : لم نؤمر بعد. فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا، فلما غدت علينا جلة من قريش جاءونا في منازلنا فقالوا: يا معشر الخزرج، إنا قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينكم. فانبعث من مشركي قومنا من يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه. قال: وصدقوا، ولم يعلموا.»
مرة أخرى: أين هي الدولة؟
العقبة الأولى كانت تمهيدا للهجرة، وكانت اتفاقا سريا غير معلن، والدول غير سرية. العقبة الثانية سرية بدورها لتنفيذ الاتفاق السري، الهدف هو تكوين حلف عسكري ضد الأحمر والأسود من الناس، حلف هجومي وليس دفاعيا، وليس أكثر من هذا، الكلام الأهم في العقبة الثانية هو الذي تم طرحه، هو كلام العباس الكافر نيابة عن بني هاشم الكفار في بيعة تأسيس لمجتمع إسلامي، كيف يتفقان أو يلتقيان؟ الاجتماع ببساطة كان لتأمين الهجرة وتكوين الجيش الهجومي الذي سيأخذ منه كل طرف نصيبه من الصفقة أو البيعة، ولا علاقة لها بروسو وعقده الاجتماعي لا من قريب ولا من بعيد، ولا بتأسيس مجتمع سياسي إسلامي لأنه كان يرأسه كافر هو العباس، وإلا لو أقررنا بذلك فلا بد أن نقر بما يترتب عليه، وهو إمكانية وصول غير المسلم إلى رئاسة المسلمين بالقياس، فهل هذا المطلب الرفيع والسامي هو ما يطلبه سيدي الدكتور؟ فلنتابع لمزيد من الفهم والتدقيق.
البيعة كعقد اجتماعي
يقول الدكتور زيدان «إن البيعة هي ميثاق تأسيس المجتمع السياسي الإسلامي». وهي من العبارات العجيبة التي تلقى هكذا دون تدقيق في القول حتى يكون مفهوما. فهل سيؤسس الدكتور زيدان بالبيعة مجتمعا سياسيا إسلاميا من فراغ؟ أم في مجتمع قائم؟ أم هي السير على السنة، كما انفصل النبي وأتباعه عن مجتمعهم، ثم أخذوا في التغذي على المجتمع الجديد والتهامه إما بدخول أفراده في الإسلام أو خضوع القبائل للقوة الجبرية، إنه يحدثنا عن مجتمع كالثقب الأسود يظهر فيلتهم ما حوله.
إن أي انفصال عن أي مجتمع يعتبر في نظر أهله خيانة للمجتمع وللوطن، والدكتور زيدان يريد تكوين مجتمع يتم سلخه من المجتمع القائم، وهو ما يحمل في طياته تكفير المجتمع كله لأن مجتمعنا ليس المجتمع السياسي الإسلامي المطلوب، إنهم يأخذون المواطن من الولاء لمجتمعه ووطنه للولاء إلى كيان هلامي معاد غريب محارب لوطنه وأهله وناسه، يفصل الناس عن مجتمعهم ليعود بهم إلى طريقة حياة مخالفة، ليتم التفجير والتدمير ونتساءل مندهشين: من أين أتانا الإرهاب؟
كيف يمكن القول اليوم إن التصويت هو البيعة، وإن تصويتنا مقدس لأنه يقوم على فعل مقدس تم في العقبة الأولى والثانية، دون أن يكون في الأولى لا سياسة ولا دولة ولا شورى ولا ديمقراطية، كان الكلام عن الدين والعبادة والجنة وليس للحصول على دولة. وفي الثانية كانت شديدة التكتم والسرية لأنها كانت تأخذ إقرارا وتعهدا من رؤساء قبائل اثني عشر أنصاريا، لا توجد هنا دولة، هنا حوار قبلي وليس حوار دولة. الدولة عندما تتعاقد تتعاقد مع رئيس واحد وليس 12 رئيسا، لا يوجد نظام هرمي يعطي الرئيس فيه تعليماته للدرجات الأولى من السلم لنقلها للدرجات التحتية الأوسع.
Unknown page