163

Sahih Wa Dacif Tarikh Tabari

صحيح وضعيف تاريخ الطبري

Genres

نفسه، وأن الذي أنشأه وأوجد عينه هو الذي لا يعجزه شيء أراده، ولا يمتنع عليه إحداث شيء شاء إحداثه، وهو الله الواحد القهار.

فإن قال قائل: فما تنكر أن تكون الأشياء التي ذكرت من فعل قديمين؟

قيل: أنكرنا ذلك لوجود اتصال التدبير وتمام الخلق، فقلنا: لو كان المدبر اثنين، لم يخلوا من اتفاق أو اختلاف؛ فإن كانا متفقين فمعناهما واحد، وإنما جعل الواحد اثنين من قال بالاثنين. وإن كانا مختلفين كان محالا وجود الخلق على التمام والتدبير علي الاتصال؛ لأن المختلفين، فعل كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه؛ بأن أحدهما إذا أحيا أمات الآخر، وإذا أوجد أحدهما أفني الآخر، فكان محالا وجود شيء من الخلق علي ما وجد عليه من التمام والاتصال. وفي قول الله عز وجل ذكره: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون (22)}، وقوله عز وجل {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91) عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون} أبلغ حجة، وأوجز بيان، وأدل دليل على بطول ما قاله المبطلون من أهل الشرك بالله، وذلك أن السموات والأرض لو كان فيهما إله غير الله، لم يخل أمرهما مما وصفت من اتفاق واختلاف. وفي القول باتفاقهما فساد القول بالتثنية، وإقرار بالتوحيد، وإحالة في الكلام بأن قائله سمي الواحد اثنين. وفي القول باختلافهما، القول بفساد السموات والأرض، كما قال ربنا جل وعز: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} لأن أحدهما كان إذا أحدث شيئا وخلقه كان من شأن الآخر إعدامه وإبطاله؛ وذلك أن كل مختلفين فأفعالهما مختلفة، كالنار التي تسخن، والثلج الذي يبرد ما أسخنته النار.

وأخرى، أن ذلك لو كان كما قاله المشركون بالله لم يخل كل واحد من الاثنين اللذين أثبتوهما قديمين من أن يكونا قويين أو عاجزين؛ فإن كانا عاجزين فالعاجز مقهور وغير كائن إلها. وإن كانا قويين فإن كل واحد منهما بعجزه عن صاحبه عاجز، والعاجز لا يكون إلها. وإن كان كل واحد منهما قويا علي صاحبه؛ فهو بقوة صاحبه عليه عاجز، تعالى ذكره عما يشرك المشركون!

فتبين إذا أن القديم باريء الأشياء وصانعها هو الواحد الذي كان قبل كل شيء، وهو الكائن بعد كل شيء، والأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل

Page 169