فهل من البر باليمين أن نمنع الاجتماعات ونسد الصحف ونكم الأفواه، وحرية إبداء الرأي مكفولة بالدستور ...
فطريق الخدمة يا قوم ليست التي نمشي عليها، وما كانت الجهود التي بذلناها والضحايا التي قدمناها لأجل أن نزج بالوطن في هذا السجن الرهيب.
فلما عطلت «نداء الشعب» أصدرت البلاد «السياسة» عوضا عنها.
واشتهرت الصحف التي أصدرتها «جريدة البلاد » في خلال غيابها بتعطيل الحكومة لها، وفي ظل «حزب الإخاء الوطني» باللهجة الشديدة والتفكير السديد وقوة الحجة، كما كان لانتشار هذه الجرائد المريع في أنحاء القطر كافة وصوتها الداوي صداها في المجتمع العراقي، بحيث تجسمت قوة الصحافة كأداة حزبية في نشر الدعوة وتلقين الشعب وهز عواطف الجماهير، وأهم القضايا التي عالجتها صحافة الحزب في هذه الفترة، مقاومة معاهدة التحالف بين العراق وبريطانيا سنة 1930 و«اتفاقية النفط» الجديدة.
وتضافر فريق من كبار الساسة والكتاب في معالجة هذه القضايا الحيوية والكتابة فيها مع هيئة تحرير جريدة «البلاد»، وبخاصة فهمي المدرس، وباقر الشيبي، مقالات صادعة تثير طبقات الشعب وتحرك مشاعر الناس، فتعمد الحكومة إلى تعطيل الجريدة تخلصا من تأثيرها، وتمعن أحيانا في إرهابها فتسوق الكاتب والمدير المسئول إلى القضاء أو تنفيهما إلى مكان بعيد.
هذه أهم الصحف الحزبية التي وجدت في الفترة التي نتحدث عنها من تاريخ الصحافة، ويمكننا أن نضيف إليها جريدة «الأهالي» والصحف التي صدرت في محلها خلال تعطيلها، وهي تمثل رأي فريق من الشباب معتنقي الأفكار اليسارية تكتلوا فيما بينهم أول الأمر في حلقات من الأندية الأدبية والاجتماعية نظير «نادي بغداد» وأرادوا أن يظهروا في جماعة رسمية مستفيدين من عضوية بعضهم في الوزارة في عهد الانقلاب العسكري الأول سنة 1936، وأعلنوا أنهم سيؤلفون «جمعية الإصلاح الشعبي»، إلا أن بطل الانقلاب الفريق بكر صدقي العسكري لم يساندهم؛ فعجزوا عن أن يكونوا لهم حزبا سياسيا، أو أن يبرزوا أية قوة في ذلك العهد.
ويضيق وقت المحاضرة من التبسط أكثر في العوامل التي كونت هذا التكتل في داخل المجالس النيابية وخارجها، والنتائج التي توصلت إليها وانعكاسها في الرأي العام مما يتطلب تفصيلا لا يتسع له مجال هذه المحاضرات.
صحافة الهزل والنقد
إن حظ صحافة العراق من الهزل والكاريكاتور ضئيل، ولذلك عوامل؛ أولها: أن العراقي جاد بعيد عن روح الفكاهة والهزل في هذا الزمان، بخلاف المصري مثلا، الذي تخالج فكرته النكتة، ويفعم قلبه مرحا على الدوام.
كما أن الكتابة الفنية الهزلية والكاريكاتورية بمعناها العصري في الصحف شيء جديد في بلاد الرافدين، وإذا رجعنا إلى الصحافة العراقية في العهد العثماني رأينا ما كان يسمى هزلا قطعا وشذرات تافهة، أو تعريضا سمجا يتناول الأعراض والشتيمة والسباب بوجه عام، وليس هناك الكتاب المتفننون الذين يبدعون في وصف بعض الحالات أو الشخصيات بأسلوب هازل.
Unknown page