إن جريدتنا حزبية قبل كل شيء آخر، فهي لسان حزب التقدم، حزب الأكثرية في البرلمان، فمبدؤها مستقى من مبادئ الحزب، وغايتها بث الدعاية لمبادئ الحزب، تلك المبادئ الواضحة التي ترمي إلى إعلاء شأن هذه البلاد ورفع مكانتها؛ فلذا ليست هذه الجريدة بجريدة شخص تستغويه العواطف الجياشة وتستهويه الظواهر الكاذبة، إنما هي جريدة حزب له خطته الرضية ومنهاجه الصريح، حزب يضم بين مجموعه خيرة رجال هذا القطر من حيث الإخلاص والعلم والثقافة ... ومبادئ الحزب هي المبادئ القويمة التي ترفع مكانة هذه البلاد وتوصلها إلى ضالتها ومبتغاها واستقلال ناجز تام وحرية مطلقة وكيان محترم ورخاء فياض بالسعادة والهناء، وقد رأى الحزب أن الوقت قد حان ليوسع نطاق أعماله ويوطد أركانه ويذيع مبادئه، فكانت هذه الجريدة الخطوة الأولى فيما عزم على القيام به من الأعمال المفيدة لهذا الوطن.
ثم بسطت جريدة التقدم خطتها من أنها ستعالج السياسة الخارجية والداخلية بصراحة ووضوح لا تشوبهما شائبة التمويه، وتترفع عن الشخصيات وتحترم الخصوم السياسيين وآراءهم، ودحض ما يجب دحضه بالأدب والحكمة والحجة الناصعة والسعي لطرق الموضوعات الاجتماعية والدعاية للتجديد واقتباس أنوار التمدن الحديث، ونشر ثقافة اليوم وحث الحكومة على مساعدة الفلاح والعناية بالزراعة، وأنها ترحب بالانتقاد النزيه وشعارها «التقدم إلى الأمام»، وغايتها السعي إلى استقلال البلاد استقلالا ناجزا بالطرق والأساليب الحكيمة التي لجأت إليها الأمم الرشيدة في كفاحها وجهادها القومي.
كانت «التقدم» حزبية بكل ما في هذه الكلمة من معنى، تحسن في مقالاتها وكتاباتها أعمال الحكومة وتدعو لسياستها. وقد اشتبكت في هذا السبيل في جدال ومناوشات مع الصحف الأخرى، فناقشت جريدة «الاستقلال» وهاجمت جريدة «النهضة»، وقست في الحملة على جريدة «العراق» التي وقفت في الظرف الذي نحن بصدده ضد الحكومة وحزبها في بعض القضايا، فكانت التقدم تشنع في وصف جريدة «العراق» وتنبزها بالتعابير الغليظة، ويمكن أن نحسب نعتها لها «بالصحيفة الاستعمارية» أخف نعت وجهته إليها، مع أن الجريدة ذكرت وهي تعرض خطتها أنها ستترفع عن الأمور الشخصية.
وإذا نظرنا إلى جريدة «التقدم» من النواحي الصحفية رأيناها راقية في مقالاتها الافتتاحية وبعض بحوثها وفصولها، إلا أنها لم تكن على شيء من التفنن الصحفي والأسلوب الجذاب في العرض والتبويب والتنسيق. وقد انصرفت عنايتها إلى السياسة والاقتصاد، أما الأدب والفن فلم تحفل بهما.
وبعد أشهر من صدورها تبدلت وزارة السعدون وألف توفيق السويدي وزارته في 28 نيسان (أبريل) سنة 1929، وهي وزارة من حزب «التقدم» أيضا، ومن الطريف أن نذكر أن محرر «التقدم» سلمان الشيخ داود كتب كلمة مسهبة في جريدة الحزب يجيب فيها على من سأله: هل سيستمر على تولي تحرير الجريدة وإدارتها بعد أن لم يشترك والده في الوزارة الجديدة؟ قائلا:
إن المسألة سياسة مبادئ لا سياسة أشخاص، وإنه سيبقى ذائدا عن حزب التقدم ولن يتخلى عن جريدة «التقدم».
ولكن يظهر أنه أراد شيئا وأرادت الأقدار شيئا آخر؛ فقد توقفت الجريدة عن الصدور بعد 5 أيار (مايو) سنة 1929؛ أي بعد أربعة أيام فقط من اليوم الذي عاهد المحرر الناس على مواصلة العمل. وهكذا عاشت الجريدة أقل من سنة ولم تقم لها قائمة بعد، ولا سيما أن الحزب نفسه ذهبت ريحه بعد انتحار رئيسه في خريف سنة 1929. وقد استعانت جريدة «البلاد» بامتياز جريدة «التقدم» في بعض عهود المحن والتعطيل الذي أصيبت به، فأصدرتها سنة 1930، ثم بدلت اسمها بعد عددين من «التقدم» إلى «الجهاد»، وأصابها التعطيل بعد زمن قصير
جريدة حزب النهضة
ومن الصحف الحزبية ذات الأثر جريدة «النهضة العراقية» لحزب النهضة، وهو حزب تألف في 19 آب (أغسطس) سنة 1922، ومن أركانه أمين الجرجفجي وأحمد الظاهر وآصف وفائي ومهدي البير ومحمد حسن كبه.
ومع أن الحزب أثبت في نظامه الأساسي أنه سيصدر صحيفة سياسية ومجلة علمية تخدمان مبدأه، فلم يقم بذلك إلا بعد أربع سنوات من نزوله إلى ميدان الخدمة العامة، فنشر في 10 آب (أغسطس) سنة 1927 جريدة «النهضة العراقية». وقد رسم صدرها بأنها «لسان حال حزب النهضة العراقية»، وكانت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، ثم جعلت يومية، ويجب أن نذكر أن عميد الحزب أمين الجرجفجي أنفق على الحزب والجريدة من ماله الخاص شيئا كثيرا.
Unknown page