كاد أن ينقضي شهران على المجلس التأسيسي وهو ينظر في المعاهدة العراقية- البريطانية، ونسمع الآن بإعداد تقارير ضافية الذيول وبمناقشات طويلة عريضة في أمر رفض المعاهدة أو تعديلها أو قبولها بشروط ترمي إلى تعديلها في المستقبل.
ولكن ما فائدة هذا الكلام كله؛ فقد وضح لأقل الناس إدراكا وضوح الشمس في رائعة النهار أن البلاد لا تريد المعاهدة على ما تفسرها ذيولها، وعليه فليقدم أعضاء المجلس التأسيسي على إبداء آرائهم ويرفضوا المعاهدة ويقضوا عليها القضاء المبرم، وليعلموا أن البريطانيين أنفسهم لا يريدون المعاهدة، فلو أتيح لهم المكث في البلاد وهم مشمولون بالصداقة والمحبة بغية معاونتها في السير في سبيل النجاح لرضوا بالبقاء عن طيبة خاطر، ولكن ذلك لحلم قد انقضى؛ فقد حل الشك محل الصداقة، فلماذا إذن يبقى البريطانيون في هذه البلاد؟ فإن الأوفق لسياسة بريطانيا في تركية وفارس والهند أن يخرج البريطانيون من العراق من غير قيل وقال، وبذلك يزيلون عنهم بالكلية ظنون المطامع الإمبراطورية، والذي نتساءل عنه الآن هل يخرج البريطانيون من العراق إذا ما قلب لهم أهلوه ظهر المجن كما يبدو على موقفهم الحالي؟ إن التجارة في العراق لا يعبأ بها، وقمح العراق وجلده وصوفه أردأ قمح وجلد وصوف في الدنيا، والشركات البريطانية في العراق لا تربح شيئا، ويحتمل أن يزرع القطن هنا في المستقبل، ولكنه دون القطن الذي يزرع في السودان والمستعمرات الأفريقية، ويحتمل كذلك أن تعثر الشركات على النفط، ولكننا نستطيع الحصول عليه في بلدان أخرى من غير أن نخاطر برءوس أموالنا، فلا فائدة لإمبراطوريتنا من البقاء في العراق.
فليتشجع أعضاء المجلس التأسيسي ويسرعوا في التصويت طبق رغبة الشعب؛ فقد آن لنا أن نتخلص من الدسائس والمراوغات، فإذا كان العراقيون غير قابلين بالمعاهدة وذيولها فليصرحوا بذلك، وليخرج البريطانيون من هذه البلاد، ونقول قولا أكيدا أن ما من أمة مثل الأمة البريطانية يسرها التخلص من مشاكل بلاد منحطة وشعب يستحيل إرضاؤه بشيء.
مقال «التيمس» اللندنية
تنحصر مطالب العراقيين المفكرين في الأمور التالية على وجه الإجمال:
أولا:
أن تساعد بريطانيا العراق مساعدة عسكرية وسياسية ومالية في السنين الأربع أو الست المقبلة، بينما تسعى هذه الدولة في تثبيت كيانها.
ثانيا:
أن تصرح بريطانيا تصريحا جليا بأنها لا تنوي بسط سيطرتها على العراق مدة 40 سنة أو 10 سنوات كما فعلت في مصر.
وليعلم الناس في إنكلترة أن جانبا من التحريض على رفض المعاهدة ناشئ عن تضارب المرامي في السياسة المحلية؛ ففي كل مجلس نيابي نرى مطامع الأشخاص غير المتقلدين زمام الأمر تسوقهم إلى السير على منهج لا ينطوي على الحكمة والعقل على ما يظهر، وهنالك فريق كبير يرى أن إثارة الرأي العام قد تحمل الحكومة البريطانية على الموافقة على تعديل بعض شروط المعاهدة، ويعتقد هؤلاء أن رفض المعاهدة رفضا مؤقتا قد يحمل بريطانيا على التساهل في شروطها كما فعلت في أيرلندا ومصر.
Unknown page