نريد أن يكون الملك مقيدا بقيود يكون وضعها في صالح البلاد، نريد أن نقيده قبل أن يستبد بالشعب.
ولكن كل هذه الإيضاحات لم تفد، وظل الناس ينظرون إلى «دجلة» نظرا خاصا فيما يتصل بهذه المسألة، وأذيع في حينه أن لمستشار وزارة الداخلية المستر جون فلبي ضلعا في هذه السياسة، ومع أن «مذكرات فلبي» عن هذه الحقبة في كتابه
Arabian Days
لم تبرئه من بعض المحاولات، وأنه كان يضطلع مع طالب باشا النقيب، فيعزو بعض المطلعين على بواطن الأمور أن جريدة «دجلة» كانت تعبر عن هوى بعض السياسيين وفي مقدمتهم عبد الجيد الشاوي.
ويفهم عنف التيار الذي لقيه هذا الصحفي من تكرار الهجوم في جريدته على الدساسين، بل بلغ الأمر بالصحيفة أن كتبت يوما مقالا افتتاحيا عنوانه: «الحر ممتحن بأولاد الزنا»، مما يشير إلى الحدة أو العصبية التي استولت على صاحبها من نهش الدعايات له.
لم يكن في دجلة تفنن صحفي، اللهم إلا شروعها في نشر ترجمة مذكرات الجنرال طاوسند الإنكليزي متسلسلة، الذي أسره الترك العثمانيون في الكوت عن «حملة العراق» البريطانية.
وختمت الجريدة حياتها في عامها الثاني بالعدد المنشور في 26 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1922.
جريدة الرافدان
أما «الرافدان» فجريدة أنشأها «سامي خوندة» أحد الشبان المنغمرين في الحركة السياسية للأحزاب الوطنية السرية، كان يعمل في جريدة «الاستقلال» التي سبق بحثها في المحاضرة المتقدمة، صدر العدد الأول منها في 26 أيلول (سبتمبر) سنة 1921، وكانت لها صلة برجال الأحزاب، والصفة البارزة «للرافدان» نزعتها الحرة وكتاباتها الصارمة واهتمامها بنشر ما يغذي الشعور الوطني، بحيث عطلت في خلال السنة الواحدة من حياتها ست مرات، حتى كان يوم 23 آب (أغسطس) سنة 1922 فنشرت منشور الحزبين المنوه بذكرهما آنفا فعطلت بقرار المندوب السامي المشار إليه، واعتقل صاحبها مع من اعتقل ونفي إلى هنجام، ولم يرغب بعد أن أطلق سراحه وعاد إلى بلده أن يحترف الصحافة، بل فضل عليا التوظف في الحكومة.
نشرت «الرافدان» في مطلع حياتها ثلاث مرات في الأسبوع، ثم أصبحت يومية، ولم تأت بجديد في عالم الصحافة من الناحية الفنية إلا فتح باب النقد الاجتماعي بأسلوب هزلي برز فيه كاتب جديد يوقع «كناس الشوارع» في مقالات قصيرة، مما سنتحدث عنه في بحث صحافة الهزل.
Unknown page