ويظهر أن السياسة البريطانية في العراق لم تكن قد استقرت بعد على خطة واضحة بشأن الصحافة، بينما كانت رغبات الشعب ملحة في طلب الحرية للصحافة، فعندما اشتدت الحركة التي أولدت ثورة سنة 1920 كانت «حرية الصحافة» مطلبا أساسيا في مطالب الشعب الثائر؛ ففي أعنف المظاهرات التي سبقت تلك الثورة انتخب المتظاهرون وفدا من وجوهه إلى الحاكم العام الإنكليزي، وجمع الوفد صفوة أحرار بغداد والكاظمية قابلوا الحاكم العام في مكتبه يوم 2 حزيران (يونيو) سنة 1920، وقدموا إليه «مذكرة بمطالب الشعب»، فكان «المطلب الثاني منها»:
منح الحرية للمطبوعات ليتمكن الشعب من الإفصاح عن رغائبه وأفكاره.
وبعد أن اندلع لهيب الثورة نشر الشيخ حبيب الخيزران رئيس قبائل العزة كتابا مفتوحا إلى الممثل البريطاني الذي أوفدته حكومته للتفاهم مع الثوار، بسط فيه مطالب الأمة جازما بأن إعطاء الأمة هذه الأمور يكون السبب الوحيد لحل المشاكل حلا مرضيا - على حد تعبيره - فكانت «النقطة الخامسة» من هذه المطالب:
إعطاء الأهالي حرية الاجتماع والصحافة ...
وفي وسط هذا المعمعان السياسي، والثورة متقدة، تذيع الصحيفة التي تنطق بلسان الأحزاب الوطنية «مطالب الأمة السبعة» وفي رأس قائمة هذه المطالب:
إطلاق حرية الصحافة وتطبيق قانون المطبوعات العثماني إلى أن يسن غيره وفقا لنظامات الاحتلال.
بذل الشعب كثيرا في ميدان ثورته سنة 1920 التي اعتبرها حربا استقلالية مقدسة، كما قرر الباحثون في أحوال العراق، حتى من الأجانب أنفسهم، نظير فيليب آيرلند الأمريكي في كتابه الثمين «العراق، درس في التطور السياسي»، وهو من خير ما كتب عن بلادنا في النهضة الحديثة. وقد تذرع الشعب بشتى الوسائل لإنجاح الثورة وتحقيق الأهداف العليا التي قصدت إليها من إظهار شخصيته شعبا حيا أبيا، فكانت الصحافة من هذه الوسائل ولا غرو فقد فطن العراقيون إلى هذه الآلة الفعالة في كفاحهم السياسي قبل هذه المرحلة، فاستعانوا بها في بعث الحركة القومية قبل الحرب العالمية الأولى - كما رأينا في المحاضرات السابقة - يوم وقفوا في وجه السلطنة العثمانية مطالبين بالتحرر من الحكم التركي. هكذا كانت لنا صحافة ثورة سنة 1920، ولهذه الصحافة تاريخ وضيء على قصره بليغ في مراميه ومدلولاته.
جريدة الاستقلال في بغداد
قرر فرع «حزب العهد» العراقي بالاشتراك مع بقية الأحزاب الوطنية السرية وهم يتدابرون الخطط للثورة على المحتل الغاصب - بريطانية - إصدار جريدة تتابع حركة الإيقاظ، وألحوا على حكومة الاحتلال في طلب الإذن للجريدة باسم «الاستقلال» فمنحتهم امتيازها بعد تردد ومماطلة. وقد أخذ الامتياز باسم أحد أعضاء الحزب «عبد الغفور البدري» من الضباط السابقين المشتغلين بالقضية العربية.
برزت جريدة الاستقلال في 28 أيلول (سبتمبر) سنة 1920 وقد رسم على صدرها أنها «جريدة يومية عربية حرة»، ولكنها بسبب ندرة الورق ومصاعب الطباعة جعلت أسبوعية مؤقتة، وإننا لندرك نزعتها القومية الواسعة الشمول من اسمها، فهي تعمل لما يهم العرب عامة والعراقيين خاصة.
Unknown page