المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى الأصناف الثلاثة «المؤمنين، والكافرين، والمنافقين» وذكر ما تميزوا به من سعادة أو شقاوة، أو إيمان أو نفاق، وضرب الأمثال ووضَّح طرق الضلال أعقبه هنا بذكر الأدلة والبراهين على وحدانية ربِّ العالمين، وعَرَّف الناس بنعمة ليشكروه عليها، وأقبل عليهم بالخطاب ﴿يَاأَيُّهَا الناس﴾ وهو خطاب لجميع الفئات ممتنًا عليهم بما خلق ورزق، وأبرز لهم «معجزة القرآن» بأنصع بيان وأوضح برهان ليقتلع من القلوب جذور الشك والارتياب.
اللغَة: ﴿خَلَقَكُمْ﴾ الخلق: الإِيجاد والاختراع بلا مثال، وأصله في اللغة التقدير يقال: خَلَق النعل إذا قدَّرها وسوَّاها بالمقياس، وخلق الأديمَ للسقاء إذا قدَّره قال الحجاج ما خلقتُ إِلا فريتُ، ولا وعدتُ إِلا وفيتُ «أي ما قدرت شيئًا إِلا أمضيته، ولا وعدت بشيء إِلا وفيت به. ﴿فِرَاشًا﴾ الفراش: الوطاءُ والمهاد الذي يقعد عليه الإِنسان وينام ﴿بِنَآءً﴾ البناء: ما يُبنى من قبةٍ أو خباءٍ أو بيت ﴿أَندَادًا﴾ جمع نِدّ وهو الكفء والمثيل والنظير ومنه قول علماء التوحيد» ليس للهِ نِدٌّ ولا ضِدّ «قال حسان:
أتهجوه ولستَ له بندٍّ ... فشرُّكهما لخيركما الفِداء
وقال الزمخشري:» النِدُّ: المثل ولا يقال إلا للمخالف المناوئ قال جرير: أتمًا تجعلون إلىَّ ندًا؟ ﴿وَقُودُهَا﴾ الوَقْود: الحطب الذي توقد به النار قال القرطبي: الوَقود بالفتح الحطب، وبالضم مصدر بمعنى التوقد ﴿أُعِدَّتْ﴾ هيئت، وأعددنا هيأنا قال البيضاوي: ﴿أُعِدَّتْ﴾ هُيَئت لهم وجُعلت عُدَّة لعذابهم ﴿وَبَشِّرِ﴾ البشارة: الخبر السارُّ الذي يتغير به بشرة الوجه من السرور، وإِذا استعمل في الشر فهو تهكم مثل ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الانشقاق: ٢٤] ﴿أَزْوَاجٌ﴾ جمع زوج ويطلق على الذكر والأنثى ﴿اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾ [البقرة: ٣٥] فالمرأة زوج الرجل، والرجل زوج المرأة قال الأصمعي: لا تكاد العرب تقول زوجة ﴿خَالِدُونَ﴾ باقون دائمون.
التفِسير: يقول تعالى منبهًا العبادَ إِلى دلائل القدرة والوحدانية ﴿يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ﴾ أي يا معشر بني آدم اذكروا نِعَم الله الجليلة عليكم، واعبدوا الله ربكم الذي ربَّاكم وأنشأكم بعد أن لم
1 / 34