Ṣafwat al-ikhtiyār fī uṣūl al-fiqh
صفوة الاختيار في أصول الفقه
Genres
وذهب قوم إلى أنه لا يجوز تخصيص العلة منصوصة كانت أو مستنبطة، وذلك هو قول جماعة من أصحاب ش، وجماعة من أصحاب أبي حنيفة، وتأولوا مسائل الإستحسان على وجوه، وهو اختيار القاضي والشيخ أبي الحسين البصري، وعمدتهم: أن كون العلة علة يوجب إطراحها وجريانها في فروعها فإذا وجدت في بعض الفروع ولم يوجد حكمها انتقض كونها علة ووجب القضاء بفسادها لذلك.
واختيارنا هو المذهب الأول.
والذي يدل على صحته: أن العلل الشرعية ليست بعلل حقيقية موجبة للأحكام؛ لأنها قد كانت موجودة قبل الشرع مع انتفاء تلك العلة، فلو كانت عللا حقيقية لما وجدت معلولاتها مع انتفائها كما نعلمه في العلل العقلية، وإنما هي أمارات يحصل عندها الظن بالأحكام، والأمارات لا تمنع أن يقع في إيجابها للظن تخصيص بأن يقترن ببعضها أمر يمتنع أن يحصل لأجله من الظن ما يجب حصوله عند أمثاله من الأمارات، وهذا أمر يعلمه العاقل من نفسه، ألا ترى أن الأحوال التي يختص بها زيد من ظاهر الستر والعفاف والأمانة تكون أمارة لنا في وقوع الظن بعدالة من يزكيه، ثم يحصل في هذه الأمارة تخصيص حتى لا يتبعه الظن في بعض الأحوال، إذ لو قيل لنا في بعض من يزكيه إنه ابنه، أو ذو رحم منه، أو من بينه وبينه مودة وخلطة، فربما لم يحصل عند تزكيته له من الظن ما حصل من التزكية لغيره من الأجانب، فقد ثبت بهذه الجملة أن حصول الظن عند الأمارات يجوز أن يحصل فيه تخصيص، فلا يقع من الظن عند أمارة مخصوصة ما يقع عند أمثالها.
وقد كان شيخنا رحمه الله تعالى يمثل ذلك بما نعلم أنا إذا رأينا مركوب القاضي على باب الأمير فإن ذلك أمارة قوية لكون القاضي في دار الأمير، وقد نرى مركوب القاضي على باب الأمير فلا نظن كونه في دار الأمير، بأن نرى المركوب مع غلام غيره، فيجوز أنه استعاره.
Page 338