Ṣafwat al-ikhtiyār fī uṣūl al-fiqh
صفوة الاختيار في أصول الفقه
Genres
وثالثها: أن تجمع الأمة والقايسون على تعليل أصل، ويختلفوا في تعليله فيبطل جميع ما يجعلونه علة فيه إلا علة واحدة، فإنا نعلم صحتها؛ لأنها لو فسدت لخرج الحق عن أقاويل الأمة، وهذه العلة التي يحصل العلم بها من طريق الإستنباط، فهذا هو الكلام في العلل المستنبطة.
وغير الإستنباط: هو ما يتأتى من علل الأحكام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق الآحاد، ولا يحصل لنا العلم بخبرهم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نص على علة الحكم أو أشار إليها أو نبه عليها، وكذلك ما أتانا عن الأمة بهذه الطريقة.
وقد قسم شيخنا رحمه الله تعالى الألفاظ المنبهة على علة الحكم على أربعة أقسام، وجعل لكل قسم منها مثالا:
أحدها: أن يكون في الكلام لفظ غير صريح في التعليل يعلق الحكم بعلته [كتعليق(1)] الحكم على علته بلفظ الفاء نحو قوله تعالى: {فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل} [البقرة:282]، فإنه يدل على أن العلة في قيام وليه بالإملاء هو أنه لا يستطيع أن يمل هو.
وثانيها: أن يعلم الحكم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند أن يصفه المحكوم عليه موصوفا بصفة فنعلم أن تلك الصفة علة الحكم نحو أن يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك الحكم ويذكر صفة لذلك الشيء مما يجوز كونه علة مؤثرة في ذلك الحكم، فيجيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند سماعه بجواب، [نحو أن(2)] يقول قائل: يا رسول الله: (أفطرت)، فيقول: ((عليك الكفارة))، فيعلم أن الكفارة وجبت عليه لأجل الإفطار إذ لو لم يكن الإفطار مؤثرا في ذلك لما أوجبها عند سماعه، كما لا يجوز إيجابها عليه إذا سمع أنه نسي أو تحدث.
Page 317