216

وأما ما ذكره رحمه الله تعالى من أن الصحابة كان يلزمهم الرجوع إلى التوراة وغيرها لو تعبدوا ببعض ما فيها فهو غير لازم؛ لأنا نقول إنهم لم يتعبدوا مما فيها إلا بما شهد به الكتاب والرسول عليه وآله السلام، وما لم يشهدا به قطعنا أنه لم يرد به التعبد كما أن الرسول لم يتعبد من شرائع من تقدمه إلا بما نزل به الوحي، ولأنهم أيضا لا يرجعون إليها ولا إلى أهلها لهذه الحال، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرهم وهم لا يشكون في صدقه بأن الله تعالى قد أكمل لهم دينهم بما أنزل الله إليه من كتاب وسنة، فكان ذلك صارفا لهم عن الرجوع إلى من ذكر فيما وجدناه عن نبينا صلى الله عليه وآله مما كان في شرائع من قبله وفي غيرها لزمنا نسخه، فهذا هو الكلام في هذه المسألة.

مسألة:[الكلام في النبي هل طاف وسعى وذكى قبل البعثة أم لا؟]

توقف الفقهاء بأسرهم في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل طاف وسعى وذكى قبل البعثة أم لا؟

فحكي عن أبي رشيد أنه قطع على أنه عليه السلام لم يفعل شيئا من ذلك قبل البعثة.

وكان شيخنا رحمه الله تعالى يذهب إلى قول أبي رشيد ويرجحه، واختيارنا هو الأول(1).

والدليل على صحته: أن الأدلة من جهة العقل كما دلت على قبح التذكية لكونها ظلما إلا أن يبيح الشرع، وكذلك السعي والطواف عبثا قبيحا إلا أن يرد بهما أمر الحكيم سبحانه، وأن الأنبياء لا يقدمون على ما يعلمون قبحه ولا يجوز عليهم ذلك لكونه منفردا، فقد دلت أيضا على تجويز التذكية والسعي بما علم من دين الأنبياء ضرورة من جواز التذكية والسعي، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعلم صدق الأنبياء ويعرف حقهم قبل البعثة وبعدها.

Page 241