189

والدليل على صحة ما ذهبنا إليه: أن أكثر ما يقال في المنع هذا إن خبره بأنه صحابي يورث التهمة، من حيث أنه يجلب لنفسه بذلك عظيم المنزلة ورفيع الرتبة، ومعلوم أن الصحابة كان كل واحد منهم يذكر ما اختص به من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأقوال والأفعال التي توجب له المنزلة على غيره من غير مناكرة بينهم في ذلك، ولا رد له، وهذا معلوم لمن تتبع أخبارهم، واقتص آثارهم، فلو كان ما ذكروه يوجب الرد لكانوا بقولهم لما قدمنا من الأخبار قد أجمعوا على ما لا يجوز لهم وذلك لا يصح؛ لأن إجماعهم حجة، فلا يجمعون إلا على الحق على ما يأتي بيانه في باب الإجماع إن شاء الله تعالى.

ولأن الدلالة قد قامت على قبول ما يرويه، وهذا الخبر من جملة ما يرويه، فوجب قبوله.

أما أن الدلالة قد قامت على قبول ما يرويه، فقد تقدم الكلام في ذلك بما لا طائل في إعادته.

وأما أن خبره بأنه صحابي من جملة ما يرويه، فذلك ظاهر لا يحتاج إلى برهان، فصح ما قلناه.

مسألة:[الكلام في قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، ما حكمه؟]

إذا قال الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، فقد اختلف أهل العلم في ذلك.

فحكى شيخنا رحمه الله تعالى عن الشافعي والقاضي والشيخ أبي عبدالله أن ذلك يحمل أن الآمر هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره، وكان رحمه الله يعتمد هذا القول ونحن نختاره.

وحكى عن الشيخ أبي الحسن وجماعة من الحنفية المنع من ذلك، قالوا: ويجوز أن يكون الآمر والناهي غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه لا دليل في الظاهر يدل على أنه هو الآمر.

Page 214