Safwat Ikhtiyar
صفوة الاختيار في أصول الفقه
Genres
والذي يدل على صحة ما قلناه: أن لفظ النسخ إذا ورد لم يسبق إلى فهمنا ما كان موضوعا له في أصل اللغة من الإزالة في قولهم: نسخت الرياح آثار بني فلان، ولا النقل في قولهم: نسخت هذا الكتاب من اللوح إلى القرطاس، فإذا ثبت ذلك وثبت أنه لا يفهم من ظاهره ما كان موضوعا له في الأصل علمنا أنه منقول إلى الشرع، وجرى مجرى لفظ الصلاة والزكاة والحج والصيام، وقد ثبت عند من خالف في هذه المسألة أن هذه الألفاظ منقولة إلى الشرع، وأنها لا تفيد على وجه الحقيقة ما كانت وضعت له في الأصل فيبطل قول من قال إنه باق لم ينقل.
وأما قول من قال إنه مشبه بوضع اللغة: فلا ينكر ذلك، ولكنه بذلك لا يخرج عن كونه منقولا، ألا ترى أن لفظ الصيام في الأصل يفيد الإمساك عن الحركة والكلام، وما نافاهما، وهو في الشريعة يفيد الإمساك عن الطعام والشراب وما شاكلهما في وقت مخصوص، ومشابهته لما وضع له في الأصل والحال هذه أبلغ من مشابهة لفظ النسخ في الشريعة لما كان موضوعا له في الأصل؛ فإذا وجب نقل اللفظ في الصيام إلى الشرع، فنقل لفظ النسخ إلى الشرع أولى؛ لأن المعنى فيه أغمض وأبعد من الشبه، وكذلك الكلام في الحج لأنه كان يفيد القصد على كل حال، فأفاد في الشرع قصدا مخصوصا، فكما وجب كونه منقولا إلى الشرع والحال هذه، وإن كان مشبها لما كان موضوعا له في الأصل، فلفظ النسخ بذلك أولى.
فأما مشابهته لما كان موضوعا له في الأصل فلا ننكره، ولكن لا يخرجه ذلك عن كونه منقولا إلى الشرع كما تقدم، فإذا قد تقررت هذه الجملة صح ما قلناه.
مسألة:[الكلام في معنى النسخ في أصل اللغة]
اختلف أهل العلم في معنى النسخ في أصل اللغة؛
فقال الشيخ أبو هاشم: هو الإزالة.
وقال بعضهم : هو النقل.
وقال القاضي: أولا إنه النقل والإزالة ثم رجع إلى قول أبي هاشم.
وكان شيخنا رحمه الله يذهب إلى أنه حقيقة في اللفظين جميعا عند أهل اللغة.
Page 137