286

Safwat Casr

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

Genres

فهب كالليث من عرينه دون مبالاة بالمصاعب والمتاعب مهما كلفته، وانضم إلى حضرات أعضاء الوفد المصري في شهر نوفمبر سنة 1918م، وأخذ الأهبة للسفر إلى باريس مع رفاقه أعضاء الوفد وصاحب الدولة رئيسهم؛ لبسط شكوى الأمة لدى الدول الأوربية.

وفي يوم 13 أبريل سنة 1919 سافر مع أعضاء الوفد ميمما باريس، فكان يوم وداعهم يوما تحفه القلوب فشيعتهم الأبصار، وسافر على ظهر الباخرة «كالدونيا»، ولما وصل باريس وطلب حضور مؤتمر الصلح بناء على التفويضات المأخوذة من جميع أفراد الأمة قوبل طلبه بالرفض، وهذه أول صدمة اصطدم بها الوفد المصري في طريقه، غير أنه قبلها بصدر رحب ولم تثن من عزم هؤلاء الأبطال المجاهدين، فأخذوا يشرحون مظلمتهم على صفحات جرائدهم الأوربية الحرة ولأعضاء مجلس النواب الأحرار، ويقدمون المستندات القوية حتى استلفتوا أنظار العالم الأوربي، وتطوع كثيرون من أحرارهم وأعضاء مجالسهم وكبار محاميهم مثل المستر فولك المحامي الأمريكي ذائع الصيت للدفاع عن القضية المصرية، حتى اعترف بأحقيتها وعدالتها مجلس شيوخ أمريكا، وبعد جهاد عظيم عاد صاحب الترجمة لمصر في شهر سبتمبر سنة 1919، وترك الزعيم الأكبر ورفاقه يعملون لما فيه الوصول لبغيتهم وضالتهم المنشودة.

ومن ثم أخذ صاحب الترجمة ينشر في أمهات الجرائد المصرية مقالاته المشهورة:

الوطنية ديننا

والاستقلال حياتنا

تلك المقالات التي كان لها التأثير العظيم في نفوس الأمة لغزارة مادتها، وجرأة محررها، فكانت تقابل من الشعب المصري بالارتياح العظيم والشغف الشديد.

ولما رغبت الدولة الإنجليزية في إرسال لجنة ملنر أخذ صاحب الترجمة ينشر درره الغوالي وينبه أذهان الأمة بوجوب مقاطعتها، وذكر الوزارة السعيدية بواجبها إزاء هذه اللجنة مما اضطرها إلى تقديم استقالتها في شهر نوفمبر سنة 1919 فيا لها من خدمة جليلة تذكرها الأمة له بجميل الشكر وعظيم الثناء، وما كادت اللجنة المذكورة تطأ أقدامها أرض وادي النيل في يوم الأحد 7 ديسمبر سنة 1919، حتى كانت الحكومة قد أخذت حيطتها لمنع المظاهرات خوفا من الاضطرابات، وأمرت بإبعاد الزعماء السياسيين وقادة الرأي العام الوطني عن العاصمة، والحجر عليهم في عزبهم دون أن يغادروها، كما وقد حذرت على الكتاب والأدباء الخوض والأبحاث في ما جاءت لأجله هذه اللجنة، فكان نصيب نائبنا الحر الجريء أن نفي بالقوة إلى عزبته بمركز الفشن، ولما رأت اللجنة الملنرية والحكومة أن هذه الخطة لم تجدهما نفعا عدلت عنها، وأمرت بعودة أولئك الأبطال من منفاهم، فما وصل هذا الخبر مسامع أعيان ووجهاء مركز الفشن حتى أخذوا يفدون إلى عزبة صاحب الترجمة أفواجا أفواجا؛ لرفع التهاني الخالصة لإطلاق سراحه، واحتفلوا به عند عودته للقاهرة احتفالا شائقا حيث أعدوا لعزته قطارا خاصا زين بالزهور والرياحين والأعلام المصرية، وجاءوا معه، وما وصل القطار محطة العاصمة حتى استقبله كبار رجال الأمة، وعموم أعضاء الوفد المصري وطلبة المدارس، فأنزلوا سينوت بك من القطار محمولا على الأعناق تكريما له وإظهارا لعواطفهم، ومن ثم أخذ ينتقد ما يجب انتقاده في أعمال الوزارة اليوسفية، وكان من وراء نقده عدم صلاحية إقامة الخزان في أعلى النيل لإرواء ثلاثمائة ألف فدان من أراضي السودان لوقوع الضرر بالأراضي المصرية، مفندا أسباب ذلك بمقالاته التي نشرت تباعا بجريدة الأفكار من عشرة إلى 20 فبراير سنة 1920، فكان من وراء نقده الحر أن قدم معالي إسماعيل سري باشا وزير الأشغال استقالته في الشهر نفسه.

نفيه مع الزعيم إلى عدن وسيشل

وحدث أن السلطة العسكرية الإنجليزية قررت نفي زعيم الأمة إلى عدن في 23 ديسمبر، وما كاد يذاع هذا الخبر حتى أصبح الناس والسماء ملبدة بالغيوم والسحب القائمة، وكأنما كان ذاك اليوم العبوس القمطرير ينذر بمصائب وأرزاء، وكل مصري يعرف ما انتحل من الأسباب لتبرير ذلك الاعتقال، كما وقد صدرت أوامر أخرى باعتقال صاحب الترجمة والأستاذين مصطفى النحاس باشا ووليم مكرم عبيد، وفي اليوم ذاته أقلت السيارات الإنجليزية المسلحة حضرات الأعضاء المذكورين، وكذا محمد فتح الله بركات باشا والمرحوم عاطف باشا بركات، حيث أحاطت بمنازلهم هذه القوات وانتزعتهم قوة واقتدارا، كما ذهبت قوة أخرى في الوقت نفسه لصوب بيت الأمة معها سيارة، حيث أنزلت حضرة صاحب الدولة سعد باشا زغلول وأخذته، وواصلوا السير بهم إلى عدن إلى أن بلغوها أصيل يوم 24 يناير سنة 1922، وما عدن إلا صخور سوداء وأراضي جرداء قاحلة، وظل القوم بها يقاسون سوء مناخها ورداءة طقسها حتى يوم أول مارس سنة 1922، حيث صدرت الأوامر بنقل الرئيس الجليل بمفرده إلى سيشل مع خادمه الخصوصي، ولا تسل عما شمل صحبه من الغم والحزن لهذا الفراق المريع، وبتاريخ 17 مارس سنة 1922 صدرت الأوامر لباقي صحبه المخلصين الموجودين بعدن بالسفر إلى سيشل، وما كاد يستقر بهم المقام طويلا حتى فوجئوا بنقل دولة الزعيم إلى جبل طارق، وهناك احتج بخطاب أرسله إلى حاكم جبل طارق بسوء الحال ورداءة المناخ بالنسبة لصحة صحبه إلى أن قال: وجميع صحبي يعانون كثيرا من تأثيراته، وإن صحتهم لفي خطر من عدم وجود التسهيلات الطبية اللازمة، وطلب منه نقلهم من سيشل إلى مكان آخر، فأبى السماح له بما طلب، وظلوا بها حتى شهر نوفمبر سنة 1922، حيث صدرت الأوامر بالإفراج عنهم والعودة إلى الوطن المحبوب.

تعيينه عضوا بمجلس النواب المصري

Unknown page