إذا عدت العائلات العريقة في مجدها كانت عائلة دولة رشدي باشا في طليعتها، وإن عد عظماء مصر ونوابغها الأفراد كان دولته في مقدمتهم.
ولد حضرة صاحب الدولة حسين رشدي باشا بالقاهرة لثلاثة وستين عاما خلون بعد الألف والثمانمائة، فهو الآن في العقد الستين من عمره المجيد الملآن بجلائل الأعمال، وهو ابن المرحوم طبوزاده محمود حمدي باشا وكيل وزارة الداخلية، وكان جده لوالده حسين بك طبوزاده حاكما على إقليم البرلس، وكان جد أبيه محمد طبوزاده قائدا عاما في عهد مؤسس العائلة الملوكية «محمد علي باشا الكبير»، وهو الذي قهر الجنرال فريزيه القائد العام الإنجليزي في معركة السنانية بقرب رشيد، تلك المعركة التي ترتب عليها خروج الإنجليز من مصر، ومما يستحق الذكر أن استعرض محمد علي الجيش في ميدان القتال، ثم ترجل عن جواده، وقبل قائده المنتصر وأنعم عليه بالتزام إقليم البرلس، أما جده لوالدته فهو أحمد قوله جي بك، وكان قائدا في الجيش المصري، وقد اشترك في محاربة الأتراك في معركة نعيبش، وإليه سلم القائد العام التركي سيفه.
حضرة صاحب الدولة الجليل السير حسين رشدي باشا رئيس وزراء الحكومة المصرية سابقا والعضو بمجلس الشيوخ.
أما دولة صاحب الترجمة فمن رجال مصر الذين تلقوا دروسهم وعلومهم العالية في كليات باريس، وقد درس علم الحقوق فنال فيه شهادات عالية، وقد أجيز له فيه وفي العلوم الأدبية، والسياسية وكان مدة التلمذة آية من آيات النبوغ الشرقي والاقتدار محبوبا من رفاقه مكرما من أساتذته.
وفي عام 1892ميلادية عاد لوادي النيل وطنه السعيد؛ ليخدمه ويفيد أمته بعلمه وأدبه، فتوظف في قلم قضايا المالية، ثم جعل مفتشا في نظارة المعارف فأقام في هذا المنصب ست سنوات، وانتقل منه إلى المحاكم المختلطة قاضيا فيها سبع سنوات كان فيها مثال العدل والنزاهة والاستقامة، ثم جعل مستشارا في محكمة الاستئناف الأهلية، فمديرا لديوان الأوقاف إلى أن اختير في شهر نوفمبر سنة 1908 وزيرا للحقانية. ارتقاء متوال في تقدير الكفاءة والاستحقاق فأظهر فيها مواهبه العالية، وأصلح من شؤون القضاء ما عاد على العدل بأحسن النتائج.
ولدولته وقفات مشهورات في مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، فكثيرا ما كان يناضل عن القوانين التي وضعها، وكان في مناضلته لا يعتمد على غير الحقيقة فلا يتقدم إلى نواب الأمة بمقدمات طويلة، ولا يحاول التأثير عليهم بفصاحة اللسان وقوة البيان، بل كان يشرح لهم الغرض المقصود من القانون المعروض على بساط البحث، ثم يبين لهم نبالة هذا الغرض، ومع اعتماده على الإيجاز الكلي في المناقشات النيابية كان الفوز دائما حليفه لما له من المكانة العليا في القلوب، ووطنيته التي لا غبار عليها.
تعيينه رئيسا لرئاسة النظار ونظارة الداخلية
ولما سقطت الوزارة السعيدية في 3 أبريل سنة 1914، كلف الجناب الخديوي عباس باشا الثاني الخديوي الأسبق حضرة صاحب الدولة أن يؤلف وزارة جديدة، فألفها متوليا مع رئاسة النظار نظارة الداخلية، فأجمعت الأمة وصحافتها على إكباره وإجلاله، والتفت قلوب الشعب حوله لما يعهدون في كفاءته ومعارفه الواسعة وحبه للعدل، وشهرته بحسن تصريف الأمور وإنجاز الأعمال وماضيه الطاهر.
وقد استقبلت الجمعية التشريعية وزارته وقتئذ بحفاوة لم يكن لها مثيل من قبل؛ لأن دولته رئيسها الذي كان من قبل كاسبا جاذبية الجمعية وثقتها، وقد عرف كيف يجعل استقبال وزارته محاطا بمظاهر الثقة والاحترام؛ ولأنه رجل محب لوطنه، دستوري الأفكار والمبدأ ولتشبعه بالحرية الصادقة في ذاتها، ومحبته للارتقاء الدستوري افتتح أعمال وزارته بما يشف عن ذلك حتى اعتقدت الأمة ونوابها بخلوص نيته، وشريف غيرته على البلاد وساكنيها.
وعندما حدث الانقلاب الكبير في مصر، واستبعد سمو عباس حلمي باشا الثاني عن مصر، وجلس المغفور له السلطان حسين كامل على عرش السلطة المصرية، اتجهت الأنظار كلها إلى صاحب الدولة حسين رشدي باشا، فثبت في مركزه السامي الخطير، وأظهر ما أدهش الجميع إذ عرف كيف يحافظ على كيان الأمة والعرش، ويفوز بأمانيه الوطنية في أشد الأزمات تحرجا.
Unknown page