كان هدوء ماريا الوقور المترقب قد ذهب. صارت شرسة، ومتجهمة، وخبيثة. بينما كانت ترمقهم بنظرات مفعمة بالكراهية، واصلت إعطاءهم المال، واصلت إعطاءهم الدولارات. لا تحاول حتى أن تتفاوض، أو تجادل، أو ترفض، بعد الآن. في إحدى نوبات غضبها العارم فعلت ذلك، غضب عارم صامت. كلما زادت إهاناتهم لها، كانت الأوراق المالية فئة العشرين دولارا تطير خارجة من درج ماكينة الدفع النقدي. لم تفعل إلا أقل القليل، ربما لا شيء، لكسب مودتهم الآن.
كان نيل وأصدقاؤه منتشين طوال الوقت. طوال الوقت الآن توفر لديهم هذا المال. يرون تدفقات جميلة لذرات متطايرة من أسطح موائد الفورميكا. تهرب أرواحهم المغيبة من تحت أظافر أصابعهم. ذهب صواب ماريا، واستنزفت أموال المتجر. كيف يمكن أن يستمر ذلك؟ ما نهاية ذلك كله؟ يجب أن تلجأ ماريا الآن إلى صندوق المال محكم الإغلاق؛ لا تكاد تكفيها الأموال في درج ماكينة الدفع النقدي بنهاية اليوم. وتظل أمها تعد المخبوزات طوال الوقت وتصنع البيروغة، ويظل الأب يكنس الممر الجانبي ويحيي الزبائن. لم يخبرهم أحد بالأمر، وتمضي بهم الأمور كالمعتاد.
كان يجب أن يعرفا بأنفسهما. وجدا فاتورة لم تدفعها ماريا - شيئا من هذا القبيل، شخص أتى معه فاتورة غير مدفوعة - وذهبا لأخذ مال لتسديدها، فلم يجدا أي نقود. لم يكن ثمة مال حيث كانوا يحتفظان به، في خزانة، أو صندوق محكم الإغلاق، أو أي شيء من هذا القبيل، ولم يكن موجودا في أي مكان آخر؛ ذهب المال. هكذا عرفوا بالأمر.
أنفقت ماريا كل المال، كل ما ادخروه، كل أرباحهم التي تراكمت ببطء، كل الأموال التي كانوا يديرون عملهم من خلالها. حقا، كل شيء! لا يستطيعون دفع الإيجار الآن، لا يستطيعون دفع فاتورة الكهرباء أو الدفع لموردي بضائعهم. لا يستطيعون الاستمرار في إدارة متجر الحلوى. على الأقل، اعتقدوا أنهم لا يستطيعون ذلك. ربما لا يملكون الحماس اللازم للاستمرار في إدارة المتجر.
أغلق المتجر. وضعت لافتة على الباب تقول: «مغلق حتى إشعار آخر.» مر عام كامل قبل إعادة فتح المتجر. تحول المتجر إلى مغسلة قائمة على الخدمة الذاتية.
قال الناس إن السبب في ذلك كان أم ماريا، تلك المرأة الضخمة الخنوعة المحنية، التي أصرت على إثبات التهمة على ابنتها. كانت مذعورة من اللغة الإنجليزية وماكينة الدفع النقدي، لكنها دفعت بماريا إلى المحكمة. بالطبع، أدينت ماريا لكنها كحدث جرى إيداعها في مكان لرعاية الأحداث، ولم يكن ثمة شيء يمكن عمله حيال الصبية على الإطلاق. كذبوا كلهم على أي حال؛ قالوا إنهم لا علاقة لهم بالأمر. لا بد أن والدي ماريا وجدا عملا، لا بد أنهما واصلا العيش في فيكتوريا؛ نظرا لأن ليزا واصلت العيش فيها. كانت لا تزال تسبح لدى مسابح جمعية الشبان المسيحيين، وخلال بضع سنوات كانت تعمل في متجر إيتون في مجال مستحضرات التجميل. كانت ساحرة ومتغطرسة جدا آنذاك. •••
يحضر نيل فودكا وعصير برتقال دوما ليشرباهما هو وبريندا. هذا اختيار بريندا. قرأت في موضع ما أن عصير البرتقال يجدد فيتامين سي الذي تستنزفه المشروبات الكحولية، وهي تأمل ألا يلاحظ أحد أنها احتست الفودكا من خلال رائحة فمها. ينظم نيل الأشياء داخل المقطورة، أو هكذا تعتقد؛ نظرا للحقيبة الورقية الممتلئة بعلب الجعة الموضوعة على خزانة المؤن، وكومة من الصحف المكبوسة معا - غير المثنية في حقيقة الأمر - وزوج الجوارب الموضوع في أحد الأركان. ربما يفعل زميله في السكن ذلك؛ رجل يدعى جاري، لم تقابله بريندا قط أو ترى صورة له، ولن تعرفه إذا التقيا في الشارع. هل سيعرفها هو؟ يعرف أنها تأتي هنا، ويعرف متى؛ هل يعرف حتى اسمها؟ هل يميز عطرها، رائحة علاقتها الجنسية مع نيل، عندما يعود إلى البيت في المساء؟ تحب المقطورة، النحو الذي لا يبدو أي شيء فيها منظما أو دائما. توضع الأشياء حيثما تصبح مناسبة. لا توجد ستائر أو حصائر طعام، ولا توجد حتى زجاجات ملح وفلفل، فقط ملاحة وعلبة فلفل، مثلما تأتي من المطعم. تعشق رؤية فراش نيل غير مرتب، عليه غطاء فوقه نقوش مربعة، ووسادة مستوية، ليس فراش زوجين أو فراش مرض وراحة وتعقيد، بل فراش شهوته ونومه، وكلاهما مجهد وداع إلى الغفلة. إنها تحب حياة جسده، على يقين تام بحقوقه. تريد أوامر منه لا طلبات. تريد أن تصبح مرتعه.
لا يزعجها قليلا إلا قذارة الحمام، مثل قذارة أي شخص آخر، وترغب في أن يهتما أكثر بتنظيف الحمام وحوض الاغتسال.
يجلسان إلى المائدة لاحتساء الشراب، ينظران إلى الخارج عبر نافذة المقطورة إلى ماء البحيرة الفولاذي، المتلألئ المضطرب. الأشجار هنا - نظرا لأنها مكشوفة للرياح التي تهب على البحيرة - عارية تقريبا من الأوراق. هياكل شجر البتولا والحور متصلبة وبراقة والقش يحيط بالماء. ربما تكون هناك ثلوج خلال شهر، وبالتأكيد خلال شهرين. سيجري إغلاق طريق البحر، وربط القوارب الصغيرة في الشتاء، وسيكون ثمة مساحة ثلجية رائعة من الشاطئ إلى المياه. يقول نيل إنه لا يعرف ماذا سيفعل، بمجرد انتهاء العمل في الشاطئ. ربما سيبقى، ويحاول الحصول على وظيفة أخرى. ربما سيتقدم بطلب تأمين بطالة لفترة، ويشتري عربة ثلجية، ويستمتع بالشتاء، أو قد يرحل ويبحث عن وظيفة في مكان آخر، ويزور الأصدقاء. لديه أصدقاء في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وخارجها، ولديه أصدقاء من بيرو.
تقول بريندا: «ماذا حدث بعد ذلك؟ هل لديك أدنى فكرة عما حدث لماريا؟»
Unknown page