ربما أدخل أحد المتاجر فأجدها.
لا، لا، ستكون قد ماتت منذ وقت طويل حينها.
لكن هب أنني دخلت أحد المتاجر، ربما أحد المتاجر متعددة الأقسام، وأرى مكانا مزدحما، توجد به معروضات معروضة بشكل تقليدي، متجر على غرار المتاجر قديمة الطراز في فترة الخمسينيات. هب أن امرأة طويلة وسيمة، ظهرت في رشاقة، أتت تلبي طلبي، وكنت أعرف إلى حد ما - على الرغم من الشعر المرشوش والمنفوش والأظفار والشفاه الوردية أو المرجانية اللون - أن هذه هي فلورا، كنت سأرغب في أن أقول لها إنني كنت أعرف، أعرف قصتها، على الرغم من أننا لم نلتق قط. أتصور نفسي أحاول أن أخبرها. (هذا حلم الآن، أفهمه كحلم.) أتصورها تستمع، برزانة تحسد عليها، لكن ها هي تهز رأسها، تبتسم إلي، وفي ابتسامتها شيء من الاستهزاء، خبث خفي واثق، وسأم أيضا. بينما لا يدهشها أني أقول لها ذلك، تسأم من الأمر، مني، ومن فكرتي عنها، معلوماتي، فكرتي أنني ربما أعرف شيئا عنها.
بالطبع، إنها أمي التي أفكر بها، أمي مثلما كانت تظهر في تلك الأحلام، تقول بنبرة غفران أريحية مدهشة: «لا شيء، مجرد رجفة بسيطة. أوه، كنت أعلم أنك ستأتين يوما.» أمي تفاجئني، وتفعلها غير عابئة. قناع وجهها، مصيرها، ومعظم آلامها ذهبت عنها. كم كنت أشعر بالراحة، بالسعادة! لكن أتذكر الآن أنني كنت منزعجة أيضا، أقول إنني أشعر بأنني خدعت قليلا. نعم، أشعر بالإهانة، بالخديعة، بالغدر، بسبب هذا التحول المرحب به، هذا التحرر. كانت أمي تتحرك في غير اكتراث خارج سجنها القديم، مظهرة خيارات وقدرات لم أحلم قط أنها كانت تمتلكها، تحولات أكثر من ذاتها نفسها. لقد حولت أمي هذه الكتلة المريرة من الحب التي كنت أحملها كل هذا الوقت إلى شبح؛ شيء بلا نفع وغير مرغوب فيه، مثل الحمل الكاذب. •••
مثلما اكتشفت، فإن الكاميرونيين - أو بالأحرى كانوا - مجموعة متشددة متبقية من المعاهدين؛ أولئك الاسكتلنديين الذين في القرن السابع عشر تعاهدوا أمام الرب على رفض كتب الصلوات والأساقفة، أو أي مسحة من البابوية أو التدخل من قبل الملك. يأتي اسمهم من ريتشارد كاميرون، أحد الواعظين المحظورين، أو واعظي «الشوارع»، الذي سرعان ما جرى قتله. خاض الكاميرونيون - الذين ظلوا يفضلون لفترة طويلة أن يطلق عليهم المشيخيون الإصلاحيون - المعركة وهم ينشدون المزمارين الرابع والسبعين والثامن والسبعين. قطع الكاميرونيون أسقف كنيسة القديس أندروز إربا حتى الموت على الطريق العام، وامتطوا صهوة جيادهم فوق جسده. وقد شلح أحد قساوستهم - وهو منتش انتشاء بالغا وهو يعدم - جميع الواعظين الآخرين في العالم أجمع.
فايف بوينتس
أثناء شربهما الفودكا وعصير البرتقال في ساحة المقطورات (عربات الإقامة) على المنحدرات الصخرية فوق بحيرة هورون، يحكي نيل باور قصة لبريندا. وقعت أحداث القصة في مكان بعيد جدا، في مدينة فيكتوريا، بكولومبيا البريطانية، حيث نشأ نيل. رغم أن نيل ليس أصغر كثيرا من بريندا - أقل من ثلاث سنوات - يبدو بالنسبة لها في بعض الأحيان كما لو كان يفصل بينهما جيل كامل؛ لأن بريندا نشأت هنا، وأقامت هنا، وتزوجت كورنيليس زنت عندما كانت تبلغ عشرين عاما، بينما نشأ نيل على الساحل الغربي، حيث كانت الأشياء مختلفة جدا، وترك منزله - عندما كان يبلغ من العمر ستة عشر عاما - للسفر والعمل في أنحاء البلاد.
لم تر بريندا من مدينة فيكتوريا، في الصور، سوى الزهور والجياد. كانت الزهور تتدلى من سلال معلقة من أعمدة إنارة قديمة الطراز، التي تملأ المغارات وتزين المتنزهات، وكانت الجياد تجر عربات من السائحين لمشاهدة المناظر الرائعة.
يقول نيل: «ليست هذه سوى الأشياء التافهة التي يشاهدها السائحون ... تقريبا نصف المكان لا يضم إلا هذه الأشياء التافهة. ليست هذه هي الأماكن التي أتحدث عنها.»
يتحدث نيل عن فايف بوينتس، وهو كان - ولا يزال - قسما، أو ربما ركنا من المدينة؛ حيث كانت هناك مدرسة وصيدلية وبقالة صينية ومتجر حلوى. عندما كان نيل لا يزال في المدرسة، كانت تدير متجر الحلوى امرأة عجوز دائمة التبرم، لها حاجبان مرسومان. كانت معتادة على ترك قطتها تتمدد في الشمس على النافذة. بعد وفاتها، تولى أشخاص آخرون أوروبيون، لا بولنديون أو تشيكيون، بل من دولة ما أصغر - كرواتيا، أهذه دولة؟ - إدارة المتجر وأدخلوا تعديلات عليه؛ تخلصوا من الحلوى القديمة والبالونات البالية التي لا تنفخ، والأقلام الجافة التي لا تكتب، وحبات الفول المكسيكية النطاطة الفاسدة. قاموا بطلاء المتجر بالكامل ووضعوا بعض المقاعد والموائد. كانوا لا يزالون يبيعون الحلوى - لكن في برطمانات نظيفة الآن، بدلا من الصناديق الكرتونية التي تبول عليها القطط - والمساطر والمماحي. بدءوا أيضا في العمل كمقهى صغير، يقدم قهوة ومشروبات غازية وكعكا منزليا.
Unknown page