Sacd Zaghlul Zacim Thawra
سعد زغلول زعيم الثورة
Genres
وقد أجاب عدلي بخطاب في الخامس والعشرين من فبراير قال فيه:
نعم، إننا على رأيكم من أن وجود هيئة وزارة تعمل على تحقيق الأماني القومية وتثق بها الأمة في ذلك من أهم الأمور، وربما كانت الوسيلة القانونية الوحيدة للحصول على الغاية التي ننشدها، ولكننا نرى أيضا أنه لا يصح أن تستأثر هذه الهيئة بالمفاوضة وحدها وبوضع النظام الدستوري للبلاد، بل يجب أن يكون هذا بالاشتراك مع الوفد، وطريقة العمل في ذلك أن تعلن الوزارة حين تشكيلها أن برنامجها هو السعي للوصول إلى اتفاق يوفق بين استقلال مصر والمصالح الإنجليزية والأجنبية، ووضع مشروع نظام دستوري للبلاد، ثم تعهد المفوضة لهيئة تضم بعضا من أعضاء الوزارة، وبعضا من أعضاء الوفد.
بعد هذه الرسائل المتبادلة بين سعد وعدلي انجلت سياسة سعد وسياسة الوزارة «الأصدقاء» مع لجنة ملنر، بل انجلت سياسة كل من الفريقين مع الفريق الآخر، وأصبح في وسع الناظر إلى ما وراء الظواهر أن يلمس النيات التي توحي إلى كل فريق بسياسته ومقترحاته.
فسعد يريد حلا للقضية المصرية لا مغالطة فيه، ويريد أن يترك للوزارة «الأصدقاء» ما هو للوزراء ويبقي للزعامة ما هو للزعامة؛ فليس عنده ما يمنع أن تفاوض الوزارة الصديقة الإنجليز متى ضمن سلامة المفاوضة وعرض النتيجة على الأمة. وهو لا يريد أن تسيطر الحكومة على الرأي العام وتعرض الوفد للانقسام؛ لأنها إذا أدت عملها مستقلة به بقي للوفد عمل آخر عند عرض النتيجة على الهيئة النيابية المماثلة للأمة، ولا بأس في أن يقوم به يومئذ متفقا مع الوزارة؛ لأن المرجع في جميع ذلك إلى ميدان الانتخاب الذي يجوز لأعضاء الوزارة كما يجوز لأعضاء الوفد أن ينزلوا إليه.
أما سياسة عدلي فهي قبول الوزارة مع التزام الخطة التي جرى عليها هو وزملاؤه من مبدأ الحركة الوطنية، وهي خط الانتفاع بنفوذ سعد والاحتراس منه في وقت واحد، أو هي إشراك الوفد في التبعة حذرا من رقابته وتعقيبه إذا استقل الوزراء بالمفاوضة والاتفاق على القضية العامة! وهذه سياسة هي أدنى إلى العداوة منها إلى الصداقة وخلوص النية؛ فهم لا يريدون أن يدعوا سعدا حرا في عمل واحد، ولا يعنيهم إلا أن يشركوه معهم في التبعة، ويسوقوه حيث انساقوا، ويقطعوا عليه سبيل التعقيب والملاحظة، ويقدموه أمامهم خطوة خطوة ليحموا ظهورهم ويحفظوا لأنفسهم طريق الرجعة. وكلما استطاعوا أن يهونوا عليه قبول ما قبلوه أسرعوا إلى محاولة إقناعه؛ لأنهم لا يخسرون شيئا وإنما هو الخاسر عند الجمهور إن قبل! بل لعلهم يكسبون أن يقنعوا الناس كما أقنعوا أنفسهم بأنهم كانوا على صواب في قبول الحماية، وأن الأمة لن تنال بالثورة أو بغير الثورة وبالزعامة أو بغير الزعامة أكثر مما قبلوه.
فحسنوا لسعد أن يعود إلى مصر ويرضى بمغالطة نفسه ومغالطة الأمة في الألفاظ التي لا تسمح بالمغالطة، ثم حسنوا له أن يشترك بفريق من أعضاء الوفد في هيئة المفاوضة ليدخلوه في التبعة وهم قابضون على زمام الحكومة، ومن قبل ذلك رحبوا في أيام الحرب العظمى بدخوله معهم في الوزارة ليعترف بالحماية كما اعترفوا بها، ونظروا في ذلك إلى أنفسهم غير ناظرين إلى البلد الذي كان يجوز أن يهيب بسعد أو يهيب سعد به إلى بلوغ ما لم يبلغوا من استقلال وحرية، وأبوا بعد الهدنة أن يسافروا إلا إذا سافر هو يوم جاءهم الإذن بالسفر إلى العاصمة البريطانية، وكل ما صنعوه بعد ذلك في مفاوضات ملنر وكرزون مطرد مع هذه الغاية ومنبعث من هذه النية، وهي أن يقاسموا سعدا في كل ما يدركه، وأن يشركوه معهم في كل ما وقعوا فيه، وألا يتركوه حرا في فرصة من الفرص ليطلب فوق ما طلبوه، وينال فوق ما عسى أن ينالوه.
وهي خطة حافظ الوزراء «الأصدقاء» عليها أدق محافظة، ولن يتأتى لهم أن يتبعوها على نمط واحد بغير تفاهم وممالأة، ولن يقع التفاهم عليها مع الصداقة وخلوص النية، وسواء حسنت نتائجها أو ساءت فهذا الذي قصدوه بما بذلوا من مساعدة أو نصيحة، وعلى حسب هذا القصد يكال لهم العذر أو الملام.
وقفت مسألة الوزارة التي دار الكلام عليها في الرسائل السابقة؛ لأن اللورد ملنر لم يستحسنها عندما فاتحه عدلي فيها، وتعلل بقوله: «إن الفكرة لا بأس بها، ولكني لا أرى من المصلحة تغيير الوزارة الآن؛ لأنه إذا شكلت وزارة مهمتها المفاوضة فربما اعترض هذه صعوبات يكون من نتائجها سقوط الوزارة، على أن أعضاءها - وهم الذين سيكون عليهم المعول في إدارة البلاد - يجب ألا يكونوا عرضة للتخلي عن خدمة البلاد بمجرد إشكال يمكن أن يحل فيما بعد.»
فقال عدلي: «لم يبق إذن سوى حل واحد، وهو أن تتفاوضوا مع الوفد.»
وحوالي هذا الوقت ختمت لجنة ملنر أعمالها في مصر، وأصدرت في السادس من شهر مارس بيانا رسميا قالت فيه: إنها أنجزت بحوثها، وأجلت عملها الباقي إلى أن تجتمع بلندن بعد عيد الفصح لتحضير تقريرها. وذهب رئيسها في رحلة إلى فلسطين مكث فيها نحو أسبوعين، ثم عاد إلى الإسكندرية في السادس والعشرين، وقفل منها إلى بلاده. أما الحالة في الفترة التي قضتها اللجنة بمصر فخلاصتها أنها أسفرت عن إخفاق السياسة البريطانية في التفرقة بين الوفد والأمة، وعن نجاح الحركة الوطنية في زعزعة الحماية التي كان الضعفاء يحسبونها قضاء مبرما لا يدفعه دافع، ولاح من كلام الصحف المشهورة بنزعتها الاستعمارية عقب رجوع لجنة ملنر من مصر أن الحكومة البريطانية لم تجد بدا من التفكير في إلغاء الحماية، فصرح بعضها - ومنها الديلي ميل - بما يفيد تلك النية.
Unknown page