Sacd Zaghlul Zacim Thawra
سعد زغلول زعيم الثورة
Genres
هذا بيان مفصل برأي سعد في احتمالات الحالة من جميع أطرافها، ومنه نعلم لماذا كان على خلاف رأي الوزراء «الأصدقاء» في العودة إلى القاهرة لمفاوضة ملنر، ونعلم أنه لم يكن يرفض المفاوضة إذا جرت في أوروبا؛ لأنها لا تكون هناك بمثابة تحقيق تجريه الدولة المتبوعة في بلاد رعاياها فضلا عما فيها من اعتراف اللجنة بوكالة الوفد عن الشعب المصري، وهي لا تجهل نصوص ذلك التوكيل ولا مطالب الشعب المحدودة فيه.
وبديه أن الوزراء «الأصدقاء» لم يكونوا لينتظروا لهم «دورا» يقومون به قبل تمام المفاوضة بين الوفد ولجنة ملنر وانتهائها إلى صيغة محدودة يتفق عليها الطرفان، أو يظهر منها على الأقل مبلغ استعداد الإنجليز لإجابة المطالب الوطنية، فأما قبل ذلك فليس في وسع الوزراء أن يفاوضوا اللجنة في تفصيلات الاتفاق بمعزل عن إجماع الأمة وموقف الوفد بباريس ولجنته المركزية بالقاهرة في وقت واحد، ولو أنهم أقدموا على هذه المفاوضة العقيمة لخسروا الجانبين معا وأخفقوا في تقرير الاتفاق المطلوب لا محالة، ورجعوا وحدهم بتبعة الفشل أمام الأمة. وأما الإنجليز، فهم لم يخطئوا في تقديرهم أن المفاوضة بين الوفد ولجنة ملنر لا بد أن تسبق كل «دور» يقومون به في هذه المرحلة؛ ومن ثم اجتهدوا في إقناع سعد بالحضور إلى مصر أو إيفاد من ينوب عنه لمفاوضة اللجنة، وكانوا متعجلين - ولا شك - فيما اقترحوه؛ لأنه اقتراح أقل ما فيه أن يدل اللجنة الملنرية على تهافت المصريين وتراميهم على هذه الفرصة المدخولة ترامي المناضل الذي استنفد موارده الأخيرة وقنع بالتعلل والمغالطة، وليس في شيء من هذا ما يغري اللجنة بالتوسع في إجابة المطالب المصرية، أو يرجح عندها أن تتوقع رفضا لما تعرضه أيا كان الحل المعروض، فلما تريث سعد ولم يقنعه تفسير العبارة الإنجليزية ذلك التفسير الذي أسرع الوزراء إلى قبوله، دار الكلام في إيفاد رسول من قبل اللجنة إلى باريس لتمهيد المقابلة بينها وبين الوفد بعد عودتها من القاهرة.
وقد دارت المناقشة بين عدلي وسعد في تفسير العبارة الإنجليزية وما احتوته من الإشارة المزعومة إلى الأنظمة الدستورية، فأعرب سعد عن شكوكه في خطاب الحادي عشر من فبراير إلى عدلي باشا إذ يقول: ... نعم! إن ترجمتكم العبارة الإنجليزية
Self-governing
بالحكومة الدستورية هي الأصح، ولكن صحة هذه الترجمة في نفسها لا تحمل على تعديل قرارنا؛ لأن هناك أسبابا أخرى غيرها، ولأن إيرادها في المكان الذي وردت فيه من البلاغ مع عدم اقتضاء المقام لها بعد التصريح فيه بأن مأمورية اللجنة هي التي صورتها الحكومة ووافق عليها البرلمان يوقع في الذهن بأن المقصود بها هو المعنى الذي فهمناه. والقول بأن القصد منها إنما هو ألا يكون الاتفاق إلا مع حكومة دستورية، لا يتفق في ظاهره مع كون هذه العبارة وردت على أنها نتيجة للتعاقد لا وسيلة له. ومع ذلك فإذا كان القصد منها هو كما يؤكد جنابه من أن الحكومة الإنجليزية لا يصح أن ترتبط بمعاهدة إلا مع حكومة ذات نظام دستوري؛ لزم قبل كل شيء وضع هذا النظام لتشكيل حكومة دستورية تكون أهلا للتعاقد على تحديد العلاقات بين مصر وإنجلترا.
ومن هذا الخطاب نفهم أن سعدا لم يأخذ بالتفسير كما جاء في حديث ملنر مع الوزراء، ولكنه أراد أن يستفيد من ملنر والوزراء على تفسيرهم بأن يمهد به لإنشاء الحياة النيابية وقيام الحكومة الدستورية، ويجس النبض لاستطلاع ما هنالك من النيات والخطط المرسومة، فإن جاء الدستور فذاك، وإن لم يجئ لسبب من الأسباب، فظهور ذلك السبب خير من كتمانه والمواربة فيه.
قال سعد في خطابه المتقدم بعد ما أسلفناه:
ولا أخفي عليكم أن فكرة هذا النظام خطرت أول الأمر ببالنا على أنها الوسيلة القانونية لحل المسألة؛ لذلك نحن نوافق كل الموافقة عليها بل نحبذها، والطريقة المثلى للوصول إلى هذه الغاية في رأينا هي أن يبدأ بتأليف وزارة من غير أعضاء الوفد موثوق بها، ويكون البروجرام الذي تعلنه هذه الوزارة هو وضع ذلك النظام، ثم المفاوضة مع الحكومة الإنجليزية بغرض الوصول إلى وضع اتفاق يضمن استقلال مصر التام ومصالح إنجلترا الخصوصية، ثم عرض ما تنتهي المفاوضة إليه على الهيئة النيابية التي تتألف بموجب ذلك النظام للتصديق. ومتى تم تشكيل الوزارة على هذا النحو، وأعلنت بروجرامها على هذه الصيغة أو بما في معناها، لا نتردد نحن وزملاؤنا في العودة إلى مصر لمساعدتكم على القيام بمهمتكم لدى الأمة، والسعي في أن تنتخب أعضاء لهذه الهيئة. إذا تم لكم أن تفعلوا ذلك خدمتم بلادكم أجل خدمة، وخلدتم لكم في التاريخ أحسن الذكرى.
وزاد الموضوع تفصيلا بخطاب في اليوم التالي (12 فبراير) قال فيه:
إن الطريقة التي عرضناها فيما كتبناه لكم هي في اعتبارنا أمثل طريقة لحل العقدة الحاضرة؛ لأنه من الطبيعي أن تجرى مفاوضة مع هيئة رسمية موثوق بها خصوصا من الأمة، وأن يصدق على ما تنتهي المفاوضة إليه من النواب الذين تختارهم لهذه الغاية، وهي تقرب في ظننا من التي يظهر أن اللورد ملنر يدلي بها في محادثاته معكم، وفيما أكد لكم من المقصود بالعبارة الإنجليزية السابقة التي أوردها في بلاغه، إن لم تكن هي بذاتها؛ ولهذا يغلب على ظننا أنه يهش لها ويعمل على تنفيذها، ولا يصعب عليه أن يتضمن بروجرامكم عبارة الاستقلال التي أوضحناها فيما كتبناه لكم؛ لأنها لا تربط غيركم، وهي فوق ذلك ضرورية جدا حتى لا تقابلكم الأمة بالنفور الذي تلاقي به كل وزارة، لا يكون السعي إلى هذه الغاية أول قصدها وأكبر همها، نعم! إن فيها مشقة عظيمة لكم ومسئولية كبرى عليكم، ولكنها ليست فوق همتكم، وأنتم أهل لتحمل كل هذه المسئولية في خدمة بلادكم، والوفد مستعد لأن يعمل ما في وسعه لتسهيلها عليكم؛ ولهذا يرى أن يكون أعضاؤه خارجين عن هيئتكم حتى لا يساء الظن في نزاهتكم، وتبقى الثقة فيهم يستعينون بها في تأييدكم وتمهيد الطريق أمامكم. وبعد أن تتألف الهيئة الجديدة تحت رئاستكم وتعلن بروجرامها، لا يترددون في العودة ليكونوا قريبين منكم يعملون في تنوير الأفهام وصيانة الرأي العام من خطرات الأوهام، التي لا يقصد ذوو الأغراض الفاسدة من بثها فيه وتسليطها عليه إلا ترويجا لمقاصدهم الفاسدة وتحصيلا لمصالحهم الباطلة، ولا يهمنا فيمن تختارونهم لمعاونتكم إلا أن يكونوا محلا لثقتكم وأهلا لأن يتضامنوا معكم في تحمل تلك المسئولية الكبرى.
Unknown page