كذا هذا وجه قول أبي يوسف ﵀ [أنه] (١) لما جعله مسجدا فقد حرره وجعله لله تعالى خالصا على الإطلاق وصح ذلك فلا يحتمل العود إلى ملكه كالإعتاق بخلاف تكفين الميت؛ لأنه ما حرر الكفن وإنما دفع حاجة الميت به وهو ستر عورته وقد استغنى عنه فيعود ملكا له. وقوله: "أزال ملكه بوجه وقع الاستغناء عنه". قلنا: ممنوع فان المجتازين يصلون فيه وكذا احتمال عود العمارة قائم، وجهة القربة قد صحت بيقين فلا تبطل باحتمال عدم حصول المقصود. انتهى عبارة البدائع وهى تدفع قول السائل في السؤال ولم يرج عود ذلك كما كان وبهذا التوجيه يعلم الفرق بين ما ذكره في التترخانية (٢) وغيرها من [ق ٢٩٦ / ب] جواز نقل حوض وبئر ورباط ودابة وسيف بثغر وقنديل وبساط وحصير بمسجد لغير محله وبين عدم جواز نقل مسجد ووقفه إلى غيره. وقال في البحر: "الفتوى على قول محمد ﵀ في آلات المسجد أي (٣) إذا استغنى عنها هذا المسجد تحول لمسجد (٤) آخر، والفتوى على قول أبي يوسف في تأبيد المسجد. انتهى وإذا علمت الحكم في المسجد ووقفه وغلته (٥) ووجه عدم نقلهما فلا تنقل أوقاف على مدرسة جعلت تقوية لأهل العلم وإحياء له بصرفها لغير ذلك بطريق
الأولى ولم أر أحدا من أئمتنا قال بجواز إبطال وقف على مدرس وطلبته وجعله مصرفا لغير ذلك الوجه، فمن توهم أن حكم الوقف على مدرس كالحكم على المسجد وأجرى جواز النقل فيهما فقد غفل غفلة عظيمة بما أوهمه السائل في ذلك السؤال.
_________
(١) غير مذكورة في "ب".
(٢) وهو كتاب الفتاوى التتارخانية، واسمه "زاد المسافر في الفروع" لعالم بن علاء الحنفي، المتوفى سنة ٢٨٦ هـ، وهو من كتب الفتاوى المعتمدة عند الحنفية، وقد جمع فيه مسائل المحيط البرهاني، والذخيرة والخانية والظهيرية، وانظر كشف الظنون ١/ ٢٦٨، هدية العارفين ١/ ٤٣٥، معجم المؤلفين ٥/ ٥٢، المذهب عند الحنفية ص ٩٩.
(٣) وفي " أ " زيادة: أنه.
(٤) وفي "ب" إلى مسجد.
(٥) وفي " أ ": "وعلمته"، والصواب ما أثبتناه.
1 / 14