19

Sacada Mufrita

سعادة مفرطة

Genres

قال: «تماما.» •••

في نهاية الأسبوع تسلمت ظرفا كبيرا في عملها. كان موجها لعنايتها. احتوى عدة أوراق مكتوبة على الوجهين. لم تتصور في البداية أن الظرف منه؛ فقد اعتقدت أنه غير مسموح للسجناء بكتابة الرسائل. لكنه، بالطبع، نوع مختلف من المساجين. لم يكن مجرما؛ كان مجنونا على نحو إجرامي.

لم يحتو الورق تاريخا، ولا حتى عبارة «عزيزتي دوري». بدأ فقط بالحديث إليها بأسلوب رأت أنه نوع من الدعوة الدينية:

يفتش الناس عن الحل. كل عقلهم (من البحث). أشياء كثيرة تصطدم بهم وتؤذيهم. يمكن أن نرى على وجوههم كل كدماتهم وآلامهم. هم يعانون. يتدافعون. عليهم أن يتسوقوا ويذهبوا إلى المغسلة ويقصوا شعرهم ويكسبوا لقمة العيش أو يذهبوا للحصول على شيكات الرعاية الاجتماعية. على الفقراء أن يفعلوا هذا وعلى الأغنياء أن يجتهدوا في إيجاد سبل لإنفاق أموالهم. هذا يصح أيضا. عليهم أن يشيدوا المنازل بحنفيات ذهبية من أجل مياههم الحارة والباردة. سياراتهم الأودي وفرشات أسنانهم السحرية وكل البدع الممكنة ثم أجهزة الإنذار لحمايتهم من الذبح، وكلهم لا يتمتع بأي سلام داخلي، لا الفقير ولا الغني. كنت سوف أكتب كلمة بدلا من أخرى في العبارة السابقة. ترى لماذا؟ ليس لدي أي جيران هنا. وقد تجاوز الناس هنا قدرا كبيرا من الارتباك. إنهم يعرفون ما يمتلكونه وسوف يمتلكونه دائما، وليس عليهم أن يشتروا أو يطبخوا طعامهم، أو حتى أن يختاروه. لقد استبعدت الاختيارات.

كل ما نستطيع جميعنا الحصول عليه هنا هو ما نستطيع استخراجه من عقولنا.

في البداية، كان كل ما في عقلي قد تشوش. كانت هناك عاصفة أبدية، كنت أخبط رأسي بالحائط أملا في التخلص منها، منهيا حياتي ومعاناتي. ثم وزعوا العقاب. رشوني بخرطوم المياه وربطوني وحقنوا أدوية في عروقي. لا أشكو كذلك لأني تعلمت أن لا جدوى من هذا. ولا الأمر يختلف فيما يسمى العالم الحقيقي، حيث يشرب الناس ويستمرون ويرتكبون الجرائم لمحو أفكارهم المؤلمة. وغالبا ينسحبون ويسجنون لكن ليس طويلا بما يكفي لكي يخرجوا من الجانب الآخر. وما هذا الجانب الآخر؟ إنه إما جنون كامل أو سلام كامل.

السلام. لقد وصلت إلى السلام، ولا زلت عاقلا. أتصور أنك قد تظنين - بينما تقرئين هذه الكلمات - أني سوف أقول شيئا ما عن الرب المسيح أو بوذا، كما لو أن الحال انتهى بي إلى اهتداء ديني. لا، إني لا أغلق عيني وأرتفع بأي قوة عليا. في الحقيقة لا أعرف ما المقصود بأي من هذا. ما أفعله هو أن أعرف نفسي. «اعرف نفسك» هو نوع من الوصايا النابعة من مصدر ما، على الأرجح من الكتاب المقدس؛ لذا فإني تابع للمسيحية، على الأقل في هذا الجانب. كذلك: «كن صادقا مع نفسك»؛ ولقد بحثت عنها أيضا في الكتاب المقدس. إنها عبارة لا تحدد جانب النفس - الشرير أم الطيب - الذي يجب أن تكون صادقا معه؛ لذا ليس المقصود منها أن تكون مرشدا للأخلاق. كذلك لا تتعلق عبارة «اعرف نفسك» بالأخلاق كما نعرفها بالسلوك. لكن السلوك ليس ما يشغلني حقا لأني قد حكم علي حكما صحيحا تماما بأني شخص لا يمكن الوثوق في حكمه على الكيفية التي يجب أن يتصرف بها، وهذا هو سبب وجودي هنا في المقام الأول.

عودة إلى جزء المعرفة من عبارة «اعرف نفسك»، بوسعي أن أقول بوعي تام إني أعرف نفسي، وأعرف أسوأ ما أنا قادر على فعله وأعرف أني فعلته. حكم علي العالم وحشا، ولا خلاف على هذا، على الرغم من أني قد أقول بشكل عارض إن الناس الذين يلقون القنابل كالمطر ويحرقون المدن أو يجوعون مئات الآلاف من البشر أو يقتلونهم لا يعتبرهم العالم عموما وحوشا، بل تنهمر عليهم الميداليات والتكريم، في حين يعتبر الأفعال الموجهة إلى أعداد صغيرة صادمة وشريرة. لم أقصد من هذا التبرير، بل هو محض ملاحظة.

ما أعرفه في نفسي هو شري. هذا هو سر راحتي. أعني أني أعرف أسوأ ما في. ربما أسوأ من أسوأ ما لدى آخرين، لكن في الحقيقة ليس علي أن أفكر في هذا أو أقلق منه. لا مبررات. أنا في سلام. هل أنا وحش؟ يقول العالم هذا، وإذا كان يقول هذا فأنا أوافق، لكنني أقول حينئذ، لا يمثل العالم لي أي معنى. أنا نفسي، ولا خيار لدي لأكون أي نفس أخرى. يمكن أن أقول إني كنت مجنونا حينذاك لكن ما فائدة هذا؟ مجنون، عاقل، أنا هو أنا. لم أستطع تغيير أنا حينذاك ولا أستطيع تغييرها الآن.

دوري، لو أنك واصلت القراءة حتى هذه المرحلة، لدي شيء خاص أريد أن أخبرك إياه، لكن لا يمكن أن أكتبه هنا. لو فكرت يوما أن تعودي إلى هنا، ربما حينئذ أستطيع أن أخبرك عنه. لا تتصوري أني بلا قلب. ليست المسألة أني لن أغير شيئا أنا قادر على تغييره، بل أنا لا أستطيع. لو كنت أستطيع لغيرت الأشياء؛ لكني لا أستطيع.

Unknown page