ثم قالت: «سأقول لك شيئا واحدا: استمري في هذا وسوف يأخذونك إلى مزبلة المجانين. ماذا أفعل إذا كان لديك زوج يكرهك وابن بوجه مشوه؟!»
أمسكت أمي برأسها بين يديها وراحت تصيح متأوهة كأن الآلام تلتهمها. كانت فيلما - المرأة التي كانت تعمل لدينا في المنزل في ذلك الوقت - قد خرجت إلى الشرفة؛ قالت: «سيدتي، تعالي، سيدتي» ثم إذا بها ترفع صوتها وتصيح في والدة نانسي. «اذهبي، اذهبي إلى منزلك، اذهبي من هنا.» - «حسنا سأذهب، لا تقلقي. ولكن، من تظنين نفسك لكي تقولي لي ماذا أفعل! وكيف ترين العمل عند ساحرة عجوز لديها خفافيش في برج منزلها؟» ثم تحولت إلى نانسي. - «كيف أنظفك بحق السماء؟»
ثم عادت ترفع صوتها مرة أخرى لكي تتأكد من أني أسمعها، وقالت: - «إنه مقزز، انظري كيف يتعلق بسيدته العجوز. لن تلعبي أبدا مع هذا الصبي مرة أخرى. رضيع السيدة العجوز.»
رحنا نحاول أنا وفيلما تهدئة أمي وإعادتها إلى داخل المنزل. كانت قد توقفت عن الضجيج الذي كانت تحدثه؛ واستوت في وقفتها، وراحت تتحدث بصوت مصطنع البهجة يمكن أن يبلغ الكوخ: «أحضري لي المجزة يا فيلما من فضلك! يمكنني أن أقلم الزنابق أثناء وجودي هنا؛ فقد ذبل بعضها تماما.»
لكن مع انتهائها من التقليم، اختفت كلها من الممر؛ لا زهرة واحدة، ذابلة أو مزدهرة. •••
لا بد أن هذا حدث يوم سبت كما قلت؛ لأن والدة نانسي كانت في المنزل وفيلما كذلك كانت حاضرة؛ إذ إنها لا تأتي يوم الأحد. ومع مجيء يوم الإثنين أو ربما قبل ذلك، أنا متأكد من أن الكوخ كان قد خلا من ساكنتيه. ربما وصلت فيلما إلى أبي في النادي أو في ملعب الكروكيت أو أينما كان، فجاء إلى المنزل ضيق الصدر وقح اللسان، لكنه سرعان ما أذعن. وأقصد «أذعن»، بشأن طرد نانسي وأمها من المكان. لا أعلم أين ذهبتا. ربما أنزلهما فندقا حتى يستطيع أن يدبر مكانا آخر لهما، ولا أعتقد أن والدة نانسي أظهرت أي اعتراض على المغادرة.
راحت حقيقة أني لن أرى نانسي مرة أخرى تتضح لي ببطء. في البداية كنت غاضبا منها ولم أبال، ثم حين سألت عنها، فلا بد أن أمي أسكتتني بإجابة غامضة؛ لعدم رغبتها في أن يتذكر أي منا المشهد المؤلم. بالتأكيد كان ذلك هو الوقت الذي باتت تفكر فيه بجدية بشأن إلحاقي بالمدرسة. في الواقع، أعتقد أني ألحقت بلاكفيلد ذلك الخريف. لعلها ظنت أني ما إن أتعود على وجودي في مدرسة للبنين، سوف تتلاشى ذكرى صديقة طفولتي؛ الفتاة، وستبدو تافهة، بل سخيفة. •••
بعد يوم من جنازة أبي، فاجأتني أمي حين سألتني أن أدعوها على العشاء (بالطبع كان الوضع أن تدعوني هي إلى العشاء) في مطعم على بعد بضعة أميال إلى جانب شاطئ البحيرة، حيث كانت تأمل في ألا تقابل أحدا نعرفه.
قالت لي أمي: «أشعر أني قد سجنت في هذا المنزل للأبد، أحتاج إلى بعض الهواء.»
في المطعم، راحت تختلس النظرات حولها، ثم أعلنت أنه ما من أحد تعرفه.
Unknown page