وهذا ما كنت أفعله بالضبط. لم أكن أراها أضعف مني. نعم هي أصغر مني حجما، لكن كان هذا ميزة لها في بعض الأحيان، فحين كانت تتسلق الأشجار، كانت تتمكن من أن تتأرجح مثل قرد على فروعها التي لم تكن لتتحملني. وفي أحد شجاراتنا - لا أستطيع أن أتذكر أيا من أسباب شجاراتنا - عضت ذراعي التي كنت أقيدها بها، ولم تخرج منه أسنانها إلا بالدم. فصلنا عن بعضنا بعد ذلك الشجار أسبوعا بالكامل كما كان مفترضا، لكن حملقتنا من وراء الشبابيك سرعان ما تحولت إلى توق وتوسل، فرفع عنا الحظر.
كان مسموحا لنا باللعب في كل أنحاء أرضنا في فصل الشتاء، فكنا نبني قلاعا من الجليد مدعومة بعصي التدفئة الخشبية، ومجهزة بترسانة من الكرات الثلجية لرميها على أي شخص يقترب منها. قليلون هم من اقتربوا؛ فقد كان شارعا مسدودا. وهكذا كنا نضطر إلى بناء رجل جليد، حتى نجد من نضربه بكرات الثلج.
إذا حبستنا عاصفة كبرى، في منزلي، تشرف أمي على تحركاتنا، فكنا نضطر إلى أن نظل هادئين إذا كان أبي في المنزل راقدا بسبب صداع ألم به، فتقرأ لنا قصصا. أتذكر أنها كانت تروي لنا «أليس في بلاد العجائب». كنا ننزعج حين تشرب أليس الجرعة التي تجعلها تنمو جدا فتعلق في جحر الأرنب.
لعلك تتساءل عن الألعاب الجنسية. نعم، لعبناها أيضا. أتذكر اختباءنا، في يوم قائظ، داخل خيمة نصبت - ولا أدري سبب وجودها في ذلك المكان - خلف الكوخ. تسللنا إليها بهدف أن يكتشف أحدنا الآخر. كان قماش الخيمة يفوح برائحة مثيرة للغرائز لكنها رائحة صبيانية، مثل الملابس الداخلية التي خلعناها. أثارتنا دغدغات أحدنا الآخر في أماكن مختلفة، لكنها سرعان ما أشعرتنا بالسخط، وراح العرق يتصبب منا، وشعرنا بالانزعاج والخزي. حين خرجنا من هناك، شعرنا أننا أكثر تباعدا من المعتاد، وأن كلا منا متحفظ تحفظا غريبا من الآخر. لا أذكر إذا كان الأمر نفسه تكرر بنفس النتيجة أم لا، لكني لن أندهش إذا كان حدث.
لا أستطيع تذكر وجه نانسي بالوضوح الذي أتذكر به وجه أمها. أعتقد أن لوني بشرتها وشعرها كانا مماثلين للون بشرة أمها وشعرها، أو كان كذلك آنذاك؛ وشعر أشقر يتحول إلى البني طبيعي، لكنه يبهت بسبب الوقت الكثير الذي تقضيه تحت أشعة الشمس. وكان جلدها ورديا جدا، بل محمرا. نعم، أرى وجنتيها حمراوين، كما لو أنهما لونا بقلم تلوين أحمر؛ وكان ذلك أيضا بسبب الوقت الهائل الذي نقضيه في الخارج صيفا كذلك، وبسبب تلك الطاقة الساحقة.
لا أحتاج إلى ذكر أن كل الغرف في منزلي كانت ممنوعة علينا باستثناء التي خصصت لنا. لم نحلم أن نذهب إلى الطابق العلوي أو إلى القبو أو إلى غرفة المعيشة الأمامية أو إلى غرفة الطعام. لكن كان كل شيء مسموحا به في الكوخ، باستثناء المكان الذي كانت تحاول والدة نانسي أن تحصل فيه على بعض السلام أو حيث كانت تلتصق السيدة كود بالراديو. كان القبو مكانا مناسبا حينما نشعر بالإرهاق من الحرارة في أوقات بعد الظهيرة. لم يكن هناك درابزين عند حافة الدرج ، فكنا نستطيع أن نؤدي قفزات تتزايد جرأة مع الوقت على الأرض القاسية القذرة. وحين نمل هذا كنا نعتلي سريرا نقالا ونقفز فوقه علوا وهبوطا، بينما نجلد حصانا خياليا. حاولنا ذات مرة تدخين سيجارة سرقناها من علبة سجائر والدة نانسي (لم نجرؤ على أخذ أكثر من واحدة). وقد تعاملت نانسي مع السيجارة بنحو أفضل؛ إذ مارست التدخين أفضل مني.
كانت هناك خزانة خشبية قديمة في القبو، يعلوها بعض علب صفيح من دهان جاف تقريبا وعلب ورنيش وتشكيلة من فرش الطلاء المتيبسة، وعصي تقليب، وألواح خشبية مجرب عليها ألوان أو مسحت فيها الفرش لتنظيفها. بعض العلب كانت لا تزال مغلقة، لكنا فتحناها ببعض الصعوبة فاكتشفنا دهانا يمكن تقليبه حتى يبلغ قوامه درجة فعالة من الكثافة، ثم قضينا الوقت نحاول تليين الفرشاة بغمسها في الدهان ثم ضربها على ألواح خزانة الملابس الخشبية، لم نحصل على نتيجة رائعة بعد أن لوثنا المكان. ومع ذلك، اكتشفنا أن واحدة من علب الصفيح بها زيت تربينتين، الذي يعطي نتيجة أفضل. بدأنا حينها ندهن بشعر الفرشاة التي أصبحت صالحة للاستعمال. كنت أستطيع القراءة والتهجي إلى حد ما، بفضل أمي؛ وكذلك نانسي أيضا؛ لأنها أنهت السنة الدراسية الثانية.
قلت لنانسي: «لا تنظري حتى أنتهي.» ودفعتها بعيدا قليلا. فكرت في شيء أرسمه، لكنها على كل حال كانت مشغولة، تغمس فرشاتها في علبة دهان أحمر.
كتبت: كان هنا نازي.
قلت: «انظري الآن.»
Unknown page