أروني قيدا يعرق الجسم مسه
ويضوي كأضلاع على حوان
الفصل الرابع عشر
الإيحاء والسرقة الأدبية
أبدأ بسؤالي عن الإيحاء ما هو؟..
وسأحاول تبسيط الجواب واجتناب العبارات العلمية التي لا تساغ. فلا يؤاخذني العلماء الأجلاء فإني لست منهم وكلامي ليس موجها إليهم فإن بهم غنى عنه. وأقول بإيجاز السؤال إن كل حركة مبعثها الإرادة وإن الإرادة تؤدي إلى بذل الإنسان لجهود يشعر بها ويدرك مداها، والغاية منها، أو لا يشعر ولا يدرك، فإذا كان الباعث على هذا المجهود مصدره النفس، كانت الإرادة شخصية، أما إذا كان المجهود مبعثه إرادة شخص آخر، أو بعبارة أخرى إذا جعل الإنسان نفسه طوع إرادة غيره وهن عقله أو عواطفه ففي هذه الحالة يقال أن أعماله موحى بها إليه أو أنه يعمل أو يفكر أو يحس بتأثير الإيحاء من الغير.
وأوضح مظهر للإيحاء هو التنويم المغناطيسي. وبعض الناس طبيعته «هستيرية» فيسهل تنويمه، أي التأثير في أعصابه وإخضاعها لإرادة الموحي أو المنوم. ولا أدري هل جرب أحد من القراء التنويم أو لم يجربه، ولكني أذكر بعض ما اتفق لي في هذا الباب بمحض المصادفة، فإني لا أشغل نفسي بهذا.
كان عندي خادم، وكان بيتي يومئذ في الصحراء، فحدث يوما أن كنت نازلا لأخرج وكان شيء يشغلني - لا أذكر الآن ماذا كان - فوقفت على رأس السلم وأنا شارد الذهن ويدي على الدرابزين وعيني تحدق في لا شيء - وأقول على الهامش إن لفظ الدرابزين صحيح وليس عاميا - ويظهر أن حملاق العين كان ثابتا والنظرة قوية أو حادة. وكان الخادم واقفا على باب غرفته، ولكني لم أكن أرى سوى شبحه من فرط ذهولي واستغراق خواطري، وإذا بي أرى هذا الشبح يتمايل، ويهم بالسقوط فتنبهت وأسرعت فانحدرت إليه لإدراكه وسألته: مالك؟ مريض؟.. فلما استطاع أن يتكلم قال إني كنت أنظر إليه فدار رأسه وغامت الدنيا في عينه.
ولم أكن أنظر إليه ولكن عيني على ما يظهر كانت واقعة في عينه، وكانت النظرة ثابتة حادة. فمضيت وأنا أفكر في هذا، وتذكرت حوادث كثيرة من هذا القبيل جرت لي. منها أن زوجتي دخلت علي مرة وأنا مضطجع أفكر فوقفت أمامي لحظة وأنا من ذهولي لا أراها. ثم خرجت مضطربة فزعة تقول إني «أزغر» لها. ومنها أن تلاميذ لي - أيام كنت مدرسا - كانوا إذا بادلتهم النظر لا يطرفون ولا يستطيعون أن يحولوا عيونهم عني. ومنها أن فتاة من أقربائي صاحت بي مرة «لا تنظر إلي هكذا فإني خائفة». وما كنت أراها وأنا قاعد ولا كان نظري إليها فيما أعرف أو أشعر.
وأوجز فأقول أنه خطر لي أن هذا الخادم يسهل تنويمه وإن كنت لا أعرف عن التنويم إلا ما قرأت عنه في الكتب. وقد كان.. نام الخادم فقلت له: «لا تقم من النوم إلا بعد صلاة الجمعة» وتركته وخرجت، وتوخيت أن أرجع بعد الصلاة مباشرة، فإذا به يفرك عينيه ويقوم متثائبا وينهض في فتور. وسألت عنه فقيل لي إنه كان نائما فتركوه.
Unknown page