Sabi Fi Wajh Qamr
الصبي في وجه القمر: رحلة استكشاف أب لحياة ابنه المعاق
Genres
لكن ليست هناك مشكلة في سخان المياه، إنه ولدي ووكر، ينخر وهو يلكم رأسه بقبضة يده مرة بعد الأخرى.
إنه يفعل هذا من قبل بلوغه العامين من عمره؛ فقد ولد بطفرة وراثية شديدة الندرة تسمى «متلازمة القلب والوجه والجلد»، وهو اسم فني لخليط من الأعراض. وهو يعاني من تأخر عام ولا يستطيع الكلام؛ لذا لا أعرف البتة المشكلة التي يعاني منها، ولا أحد يعرف. هناك فقط ما يزيد بقليل عن المائة شخص في العالم الذين يعانون من هذه المتلازمة. يظهر هذا الاضطراب ظهورا عشوائيا، وهو خلل بلا سبب أو أصل محدد، ويطلق عليه الأطباء متلازمة يتيمة؛ لأنه يبدو غير معلوم المصدر أو السبب.
أعد النخرات وأنا أتحسس طريقي إلى حجرته: واحدة كل ثانية. لكي أجعله يتوقف عن ضرب نفسه، علي أن أغريه بالعودة إلى النوم؛ ما يعني اصطحابه إلى الطابق السفلي وإعداد زجاجة التغذية له، ثم حمله والعودة به إلى السرير.
يبدو هذا أمرا يسيرا، أليس كذلك؟ لكن مع ووكر، كل شيء معقد؛ فبسبب هذه المتلازمة لا يستطيع ووكر تناول طعام صلب عن طريق الفم، أو بلع شيء بسهولة. ولأنه لا يمكنه الأكل؛ فإنه يتناول نوعا من الألبان الصناعية أثناء الليل من خلال نظام تغذية. ويسير هذا اللبن في أنبوب ممتد بين كيس غذاء ومضخة مثبتة على حامل معدني، وعبر فتحة في رداء نوم ووكر ومنها إلى صمام دائم معقد الشكل مثبت في بطنه، يعرف أحيانا بأنبوب التغذية عن طريق البطن أو «ميكي». ولكي أحمله من السرير وأنزل به إلى المطبخ لإعداد زجاجة التغذية التي ستهدئ من روعه ليعود بعدها إلى النوم، علي أن أفصل أنبوب التغذية من ميكي. ولكي أقوم بهذا، علي أولا أن أغلق المضخة (في الظلام حتى لا يستيقظ تماما) ثم أغلق أنبوب التغذية، وإذا لم أغلق الأنبوب، فسينسكب اللبن الصناعي اللزج على السرير أو الأرضية (السجادة في غرفة ووكر لونها أزرق فاتح: هناك بقع تشبه صحراء جوبي تحت أقدامي، نتجت عن مرات سابقة انسكب فيها اللبن الصناعي ولم ألتفت إليه). ولكي أغلق الأنبوب، أضغط بإبهامي على أسطوانة بلاستيكية حمراء صغيرة أسفل منزلق (هذا هو الجزء المفضل لدي من الروتين؛ شيء واحد، على الأقل، سهل يمكنني التحكم فيه)، ثم أفتح سوستة رداء نومه المكون من قطعة واحدة (ووكر صغير الحجم، وينمو نموا شديد البطء، حتى إنني لا أشتري أردية نوم جديدة له ذات مقاس أكبر إلا كل عام ونصف)، وأصل إلى الداخل لأفصل الأنبوب من ميكي، وأسحب الأنبوب من الفتحة الموجودة في رداء نومه وأعلقه على الحامل المعدني الذي يحمل المضخة وكيس الغذاء، ثم أعيد غلق ميكي وأغلق سوستة الرداء. بعد ذلك، أحمل ووكر الذي يبلغ وزنه حوالي عشرين كيلوجراما من أعماق سرير الأطفال الذي ينام فيه؛ فهو ما زال ينام في سرير أطفال. هذه هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع بها أن نبقيه في السرير ليلا، فبمقدوره أن يحدث كثيرا من المشكلات إذا كان بمفرده. ***
ليست هذه قائمة من الشكاوى، وليست هناك جدوى للشكوى، وكما قالت لي ذات مرة أم طفل آخر يعاني من المتلازمة نفسها: «أنت تقوم بما يجب عليك القيام به.» على أي حال، هذا يمثل الجزء السهل من الموضوع، ويتمثل الجزء الصعب في محاولة الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها ووكر في ذهني كلما حملته. فما قيمة حياة مثل حياته؛ حياة تعاش في الظل، وغالبا في ألم؟ وما قيمة حياته عند من حوله؟ قالت لي إحدى الطبيبات منذ فترة قصيرة: «ننفق مليون دولار لإنقاذهم، ولكن بعد خروجهم من المستشفى نتجاهلهم!» كنا نجلس في مكتبها وكانت تبكي، وحين سألتها عن السبب قالت: «لأني أرى ذلك يحدث باستمرار.»
أحيانا تشبه مشاهدة ووكر النظر إلى القمر؛ فأنت ترى وجه رجل في القمر، ولكنك تدرك أنه لا يوجد أي شخص بالفعل هناك. ولكن إذا كان ووكر لا قيمة له، فلم يحمل هذا القدر من الأهمية بالنسبة إلي؟ وما الذي يحاول أن يريني إياه؟ إن كل ما أريد معرفته حقا ما يدور في رأسه الغريب الشكل، وقلبه المتعالي، ولكن كل مرة أتساءل فيها عن هذا، يقنعني على نحو ما أن أنشغل بنفسي. ***
لكن، ثمة إشكال آخر؛ فقبل أن أنزل إلى الطابق السفلي مع ووكر من أجل تحضير زجاجة التغذية، أجد أن حفاضه ممتلئ عن آخره. إنه غير مدرب على استعمال الحمام، ودون حفاض جديد لن يخلد إلى النوم ويتوقف عن ضرب رأسه وأذنيه بقوة؛ وهكذا نتحول من روتين أنبوب التغذية إلى روتين تغيير الحفاض.
أذهب إلى منضدة التغيير البالية، وأتساءل في كل مرة أفعل فيها ذلك: كيف سيتم ذلك عندما يبلغ عشرين عاما وأكون أنا في الستين؟ السر أن تشبك ذراعيه حتى تمنعه من ضرب نفسه بعنف، ولكن كيف تغير الحفاض الممتلئ لولد يزن عشرين كيلوجراما، بينما تشل حركة يديه حتى لا يلكم رأسه بعنف أو (الأسوأ) ينزل يديه ليحك بها مؤخرته الصغيرة التي تشبه البرقوق، والتي تحررت فجأة من حفاضها، وبهذه الطريقة تنشر البراز في كل مكان؟ وبينما في الوقت نفسه تشل حركة قدميه، بسبب ما ذكرته سابقا، لا يمكنك أن تغفل ولو لثانية. ضع في اعتبارك أن كل ذلك يحدث في الظلام أيضا!
لكن لدي روتيني في هذا الشأن؛ أمسك يده اليسرى بيدي اليسرى، وأضع يده اليمنى تحت إبطي الأيسر كي أوقفها عن الحركة - قمت بهذا مرارا وتكرارا، فهو مثل المشي - وأبعد كعبيه عن منطقة الخطر باستخدام مرفقي الأيمن لأمنع ركبتيه من الانثناء، وأؤدي المهمة الكريهة الفعلية بأكملها بيدي اليمنى. لم تعد زوجتي جوانا تستطيع القيام بذلك بمفردها، وهي أحيانا تناديني لأساعدها، ولا أكون لطيفا أبدا حينما تفعل.
وعملية تغيير الحفاض نفسها مهمة يتعين القيام بها بدقة بالغة كما يفعل خبير الذخائر في فيلم لجيمس بوند يسعى إلى إبطال مفعول قنبلة ذرية: فتح حفاض جديد للطفل وإلباسه، الملمس المميز لأشرطة الفيلكرو الخشنة على ورق الحفاض الناعم، الشك في أن الحفاض لن يصمد أبدا، والراحة الغامرة لإعادة تثبيته في النهاية ... تم إنجاز المهمة بنجاح! كل شيء على ما يرام مرة أخرى! ثم يأتي بعد ذلك إعادة إدخال رجليه في رداء النوم.
Unknown page