لدى عودتي إلى شقتي أطبقت علي الكآبة. تضاعفت كراهيتي لها وتمنيت لها النار. باتت الرغبة في التغيير قوة قاهرة لا تقاوم، وفترت متعتي بالمقهى والتليفزيون في الأيام التالية. الزيارة هي الأمل الباقي الوحيد، تكرارها بعد أسبوع قليل، بعد شهر غير محتمل، فلتكن بعد أسبوعين. في أثناء ذلك عرفت أن شركة جنرال إليكتريك في حاجة إلى وظيفة في فرع منها يقوم بمشروع لبناء محطة مياه، مشروع مؤقت مدته ثلاثة أعوام ولكن المرتب 400ج.م، غير بدل الانتقال، وتقدمت للامتحان. وقع الاختيار على فتاة ولكن المدير عرض علي وظيفة في العلاقات العامة بثلاثمائة جنيه، قبلت وأنا في منتهى السعادة. لم أتمكن في نطاق دخلي الجديد من الانتقال إلى حي جديد ولكن الغذاء والكساء سيقفزان قفزة خيالية. وانتظرت أسبوعين ثم مضيت في ميعاد الستر إلى بيت حبيبتي، الصبر نفد، والشوق تأجج واشتعل، والعزيمة صممت. أقنعت نفسي بأن الشيخ لا يجوز أن يتلعثم كصبي أو يخجل كمراهق. ولما فتحت لي حجرة الاستقبال رجوت أن نجلس في حجرة المعيشة، استزادة من الألفة في الظاهر وهربا من الصور في الحقيقة، وقلت لها بصدق: حياتي بفضلك أصبحت مما أغبط عليه.
فابتسمت قائلة: لا تبالغ.
فقلت بارتياح: التحقت بشركة جنرال إليكتريك. - مبارك.
وحكيت لها عن المرتب وكل شيء وقلت: يمكنني الآن أن أحقق هدفي.
وبدت أنها لم تفهم مقصدي فقالت: إن كنت تروم شقة جديدة فأشك في تحقيق هدفك.
فقلت بجرأة: هدفي أهم من الشقة! - حقا؟! - إني أفكر جادا في الزواج.
خيل إلي أنها أجهضت دهشة بلباقة، وتمتمت: الزواج!
فقلت بثقة: إني على أتم ما يكون من الصحة.
فابتسمت في ارتباك، وقالت: ربنا يزيدك صحة وعافية. - وددت أن أعرف رأيك؟ - لم لا، مثلك يتزوجون، وأكبر منك أيضا. - هذا ما قلته لنفسي.
فقالت بشيء من المرح: دعني أبحث لك عن زوجة مناسبة. - ما الزوجة المناسبة؟ - لعلها سيدة عاقلة لا تقل عن الأربعين. - ستكون في تلك الحال أرملة أو مطلقة. - وما المانع؟ - ولها أولاد، وربما في سن الحضانة. - لا بد من الرضا بالواقع المتاح.
Unknown page