فتحت الباب، وضح تلعثم حالها، أشارت إلى حجرة إلى يمين الداخل هامسة: تفضل.
ذهبت وبقيت بمفردي واقفا، الجو خانق، فتحت نافذة تطل على الشارع، نفس حجرة الاستقبال القديمة ولكن الأثاث جديد وعصري. هل أندم على هذه الخطوة؟ لعلها الآن تغير ملابس البيت، لم أرها من قريب منذ زمن طويل طويل. وقع الأقدام من جديد، رجعت مطوقة الرأس بمنديل أبيض، في فستان صيفي لبني لكنه محتشم، لا يكشف إلا عن ساعديها وأسفل ساقيها. تساءلت وهي واقفة: تشرب قهوة؟ .. عندي عصير برتقال أيضا. - لا داعي للكلفة والتعب.
ذهبت. بقيت صورتها؛ امتلأ الوجه أكثر من الماضي ولكنه متماسك ولا أثر للتجاعيد فيه، حلت الرزانة محل ماء الشباب، ولكنه وجه مقبول، ترى هل شاب شعرها؟ أما الجسم فقد امتلأ، بينه وبين البدانة خيط لا بأس، وهو داخل الفستان مثير؛ إي والله مثير، انهالت علي أحلامي الجنسية كالشلال، آه لو أضمها إلى صدري ونتذاوب كما فعلنا كثيرا في الماضي المليح، ولكن حذار فأنت لا تدري شيئا عما يعتلج في باطنها، ربما أقامت واستقرت في وادي الأمومة والطهر، تمالك نفسك وتجنب الخطأ، رجعت بصينية فضية صغيرة عليها قارورة، ووضعتها فوق خوان من الخشب المطعم بالصدف، ونقلته أمام مقعدي، قلت لها: أتعبتك، اجلسي وارتاحي.
جلست على فوتيه في الجناح المواجه لي، وفي تلك اللحظة انتبهت إلى صورة الزفاف المثبتة في الجدار فوقها، وعلى جانبيها صورتان، الأولى لعلي يوسف والأخرى لابنيها في زي العرب. هبت على عواطفي دفقة باردة وازدادت مهمتي عسرا. - خطوة عزيزة، تذكرت أخيرا أهلك!
فقلت بأسف: هي الحياة كما تعلمين، ولكنني قلت إنه غير معقول أن نكون في حي واحد ونعيش كالغرباء! - أهلا بك، هل ما زلت تعمل في الوزارة؟ - تقاعدت منذ أيام أو منذ ساعات! - ربنا يطول عمرك، ألا يوجد من يخدمك؟
قلت ضاحكا: أعيش وحيدا مع الجدران القديمة. - وأنا مثلك، لولا امرأة بنت حلال، تزورني مرة كل أسبوع، أمينة وماهرة. - يخيل إلي أنك لا تغادرين البيت أبدا؟ - لا أخرج إلا كل حين ومين ولأسباب قهرية. - الوحدة قاسية، لدي المقهى والصديق، ولكنها قاسية جدا.
فقالت بتسليم: عندي التليفزيون وجارة أو جارتان. - هذا لا يكفي. - أفضل من عدمه! - وكيف حال ابنيك؟ - عال، استقرا هناك إلى الأبد، أصبح لي أحفاد،، هي قسمتي على أي حال.
نطقت بها بأسى واضح فسألتها: ألم تسافري إليهما؟ - مرة، وأديت العمرة.
قلت وقلبي يمعن في تراجعه: مبارك يا حاجة. - عقبالك.
ثم مواصلة: إن عزمت يوما فستجدهما في انتظارك. - كل شيء بمشيئة الله، وكيف صحتك؟ - كيف صحتك أنت؟ - على أحسن ما يكون، والحمد لله. - وأنا كذلك، ولكني ركبت طاقم أسنان. - هذا مفيد للصحة في ذاته. - نسأل الله حسن الختام.
Unknown page