ليس في الكون بقعة محطمة بالعفونة وعامرة بأحلام اليقظة مثل العمارة البالية بشارع أبو خودة ومقهى النجاح بميدان الجيش. ماذا بقي لمتقاعد وحيد؟! لو تهيأت لي وفرة في المال لقمت بسياحة داخل القطر تغطيه من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه. ولو غمرتني ثروة مباغتة لقريب تركها لي في البرازيل مثلا لشرقت في الأرض ولغربت بلا حساب، ولتزوجت من فتاة حسناء دون مبالاة بالعواقب. ما ألذ الأحلام وأقساها! على حين تقيمين يا ملك على مبعدة أمتار مني ولا أحرك نحوك ساكنا. نحن سلالة ذكريات واحدة، وفريسة شيخوخة واحدة، وقلبي يحدثني بأنك ما زلت امرأة! وقال لي حمادة الطرطوشي بسرور: ابني رقي إلى درجة مدير عام.
فهنأته، وقلت: القهوة والسندوتش على حسابك هذا المساء.
فقال بحزم: علي القهوة فقط! - هل ما زلت تعاشر حرمك جنسيا؟
فضحك الرجل، وقال: سؤال بارد. - معذرة، ولكنه يهمني.
فقال باقتضاب: عندما أشاء.
ثم مواصلا: كثيرا ما توجد القدرة غير مصحوبة بالرغبة.
ثم قال برثاء: كيف فاتك الزواج؟ ما عرفت رجلا له مثل حنينك إلى الزواج.
فقلت بمرارة: ما زلت أحمل أسرتي حتى العام الأخير، وكلما ارتفع المرتب درجة ارتفع الغلاء درجتين. - يا للخسارة، وأم عبده رحلت قبل الأوان! - بل بعد الأوان، وبعد أن استحالت رجلا! - قسمتك. ماذا يقعدك عن مقابلة ملك؟
وراح علي يوسف يلاحقني بنظراته مستطلعا، إني أعرف ما يريد أن يسأل عنه وأتجاهله، حتى سألني ونحن جالسان في مقهى الانشراح القديم الذي محله اليوم معرض للأثاث: ما أخبار أم عبده؟
ضحكت وقلت: مغامرة غريبة ولكنها كللت بالنجاح.
Unknown page