105

Ruyat Allah

رؤية الله تعالى بين العقل و النقل

وهي محاولة فاشلة مردودة من ثلاثة أوجه:

أولها: إن العرب الأقحاح عندما كانوا لا يعتمدون إلا على سليقتهم العربية في نطقهم وفهمهم لمقاصد الكلام هم أقوى حجة ممن جاء بعدهم من علماء العربية الذين دونوا مفرداتها، وشرحوا معانيها فإن هؤلاء كانوا يستندون إلى أولئك في فهم مقاصدها ولم يكن أولئك يرجعون إلى هؤلاء في ذلك .

ثانيها: إن ما نقله أئمة العربية عن العرب من معاني الادراك متفق كل الإتفاق مع ما ذهبت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في هذا الإستدلال.

ثالثها: إن الإستشهاد باستدلالها هذا ليس من التقليد في شيء وإنما من باب الأخذ بوسائل الفهم للمعاني اللغوية.

واعتمد ابن جرير الطبري بالتفريق بين الرؤية والإدراك على قوله تعالى: {فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين}(1) حيث نفى موسى ما توقعوه من إدراك عدوهم مع أن الترائي حصل بين الجانبين وتابعه ابن حزم(2).

ونقل ذلك الحافظ بن حجر عن القرطبي صاحب المفهم وتعقبه الحافظ بقوله: (( وهو استدلال عجيب لأن متعلق الإدراك في آية الأنعام: البصر، فلما نفي كان ظاهره نفي الرؤية بخلاف الإدراك الذي في قصة موسى ولولا وجود الأخبار بثبوت الرؤية ما ساغ العدول عن هذا الظاهر )) (3).

وأضيف إلى ما قاله الحافظ: بأن الإدراك يتفاوت معناه بحسب تفاوت أنواع المدركات بالكسر فإدراك العين رؤيتها للشيء، وإدراك الأذن سماعها للصوت، وإدراك اليد حسيسها للجسم، وإدراك السيف وقعه على المضروب، وإدراك السهم إصابته للمرمى، وإدراك الرمح إصابته للمطعون، وإدراك العدو لعدوه تمكنه منه وقدرته على إنزال السوء به. وأصحاب موسى عليه السلام ما كانوا يتوقون مجرد رؤية عدوهم لهم وإنما كانوا يحذرون من تمكنه منهم.

Page 108