101

Ruyat Allah

رؤية الله تعالى بين العقل و النقل

وأعترض على هذا الاستدلال بأربع شبه وهي كما يلي:

الشبهة الأولى: أن الآية نفت الإدراك ولم تنف الرؤية، وبينهما فرق، فإن الإدراك: هو الإحاطة بالمدرك من جميع جوانبه، وهو مستحيل عليه تعالى، والرؤية لا تستلزمه فهي أعم منه، ونفي الأخص ليس نفيا للأعم كما أن قوله تعالى: {ولا يحيطون به علما}(1) لا ينفي مطلق العلم فان للعباد معرفة به تعالى يخشونه بها ويرجونه ويطيعونه ويعبدونه، وإنما هو ناف للإحاطة بكنه ذاته سبحانه، وهذا أشهر ما عولوا عليه في دفع هذه الحجة، ولذلك سرعان ما تجدهم يهرعون إليه للتخلص منها.

جوابها: أن هذا الإعتراض مخالف لما دل عليه الاستعمال العربي لكلمة (( الإدراك )) ومشتقاتها، فانه لا يفهم منه أنه بمعنى الإحاطة، فأقوال أساطين العربية وشواهدها الصريحة الثابتة دالة على أن الإدراك ليس بمعنى الإحاطة بل لكل منهما معنى مستقل عن الآخر. قال ماتن القاموس وشارحه: (( الدرك محركة: اللحاق )) وقد (( أدركه )) إذا لحقه، وهو اسم من الإدراك.

وفي الصحاح: الإدراك: اللحوق، يقال مشيت حتى أدركته، وعشت حتى أدركت زمانه(2)، ونص كلام الجوهري في الصحاح: ((الإدراك: اللحوق، يقال: مشيت حتى أدركته، وعشت حتى أدركت زمانه، وأدركته ببصري: رأيته )) (3).

وفي اللسان: ( ( الدرك: اللحاق إلى أن قال وتدارك القوم: تلاحقوا ))، وفي التنزيل: {حتى إذا اداركوا فيها} (4).

Page 104