8
ثم يتكلم بعد هذه المقدمة عن الحسد فالنميمة حتى يقول: «إنه من واجبات الكتاب أن يصلحوا العادات القبيحة، فما أقبحهم إذا سلكوا سبيلها! وأحب إلي أن أخسر ما أقدر أن أخسره من أن أرى بنات أقلامي ترقص في مراسح النميمة والفساد، فإن للقلم عرضا وناموسا، وحكمه حكم الفتاة.»
ويلي هذا المقال «تذييل» رد به على من انتقد أسلوبه الذي أريتك نماذج منه، وما أظنه إلا الشدياق لأن الحرب القلمية كانت قد أعلنت، ودارت رحاها على الجبهتين الغربية والشرقية - الأستانة وبيروت، ولكن الملاحظة النقدية التي أبداها الكاتب الذي لم يذكر اسمه سليم قد حملته على ترك مواضيعه الأدبية واستعاراته، فعاد إلى الأسلوب الطبيعي وصار يصدر الجنان بجملة سياسية، بدلا من تلك المقالات الأدبية.
تلك كانت موضة الكتابة في ذلك الوقت، كما قال سليم في رده على ناقده، فالمراش وإسحاق، ثم الحداد بعدهم، كانوا جميعا يحوكون على ذلك النول.
لم ينح سليم نحو والده؛ لأن نشأته غير نشأة أبيه، أما أسلوب المعلم بطرس فاتبعه زيدان وغيره ممن كتبوا ليقرروا لا ليتخيلوا، وإذا كان المعلم بطرس قد مات ولما يصقل أسلوبه، فقد تم لغيره بعده ما لم يتم له.
لقد كان أحرى بواضع منهاج البكالوريا الأدبي، أن يكلف المدارس تدريس سليم البستاني لا المعلم بطرس، ولكن حكمه «الواضع» شاءت فحشرت المعلم بطرس مع الجاحظ، وغيره من أصحاب الدروس الأخلاقية والاجتماعية، وليس للرجل في «الإنشاء» غير خطابي تعليم النساء وآداب العرب، فإذا كانت حكمة الواضع تعنيهما فقد ضلت، ولم تصب لنقول: قد أصابا كما شاء جرير.
إن للمعلم بطرس في نهضتنا دورا علميا عظيما، وإننا لظالموه إذا حشرناه مع الأدباء والكتاب، وإذا كان لا بد من ذكر بستاني في كل مجال، فلنذكر الابن المؤلف، لا أباه المترجم والناقل. (3) الشيخ إبراهيم اليازجي
هو أحد جنود تلك الكتيبة المناضلة تحت علم الضاد في عصارى القرن التاسع عشر. خاض المعمعة مع قائدها المغوار فارس ميدان الفصحى المستولي على الأمد - فأكسبه ذلك الشوط - وإن لم يجل فيه، شهرة أحلته المحل الأرفع بعدما مضى أولئك الجهابذة وعاش هو بعدهم ليتوغل في المسلك الوعر الذي شقوه ومهدوه.
فالشدياق والأسير والأحدب واليازجي الأب كانوا أبطال تلك الساحة يصولون ويجولون حتى طلع إبراهيم فكان صنو أبيه في الإنشاء، ولكنه فاقه علما وتدقيقا بأسرار اللغة. نزل إلى الميدان، بعد موت والده، وهو ثنيان رخص فدافع عنه في تلك الهبوة التي أثارها كبش الكتيبة العاسي والجواد القارح أحمد فارس.
فاليازجي كاتب عالم صنع نفسه يوم لم تكن طرق التعليم معبدة. جاور أباه وأخذ من علمه ما حضر، ثم تعمق فاكتسب برغبته وجده لغات أجنبية وآدابا وعلوما حتى أحصي بين علماء الهيئة - الفلك - وتطاول إلى مناقشة العلامة فلامريون الفرنسي إمام ذلك العلم، فسمع صوته وأهدى إليك ملك أسوج ونروج نوط العلوم والفنون .
Unknown page