خلعت عليه الأيام خمسا وثلاثين حجة.
على جبينه الأسمر طيف من الكآبة، وفي مقلتيه المنفرجتين لمع من الذكاء، وعلى مرشفيه الجميلين عذوبة تفرط في الحنين والحنان.
ملي الحب في تباين ألوانه، وانتحت عليه النساء انتحاء الظباء على معين، ولو وفق في مشتهيات أدبه كما وفق في مشتهيات قلبه لعلا في المال على لحظ المترفين.
عصبي المزاج إلى حد الجنون، سريع في غضبه، سريع في رضاه، وقد تكون هاتان الخلتان دليلا على سلامة طويته.
أحب لبنان حبا تدلف به إلى الغرام، فلذلك تسمع من صرير قلمه أنة الغريب وحنة المشتاق.
زواه التطرف عن جوانب الحكمة والتعقل، فهو متطرف في سياسته، متطرف في أدبه، ولقد أداه خلقه الغريب إلى طلب الجنرال «سرايل» للبراز عندما أطلق هذا مدافعه على دمشق، وذلك على يد جمعية الصحافة بباريس، فرفض.
نجم من بيت وجاهة وفضل، فهو كريم النبعة، مفطور على خلق صقل بما تهيأ له من أسباب التهذيب، وما تناهى إليه من عزة النفس.
ملم بأطراف العلوم التي يحيط بها زمانه والتي لم يفتح على كثيرين أن يبسطوا بمداخلها، إلا أنه آثر الأدب حرفة له وإن يكن سود اليد البيضاء ما بينه وبين دهره.
هو اليوم في جريدة «البلاغ» المصري لسان حال الوفد، وله تحرير «روز اليوسف» ضلع صليب، وفي «مصر الحديثة» جولات خطرة.
أما حياته فهي حياة كل أديب يستشعر الأدب فوق كل شيء، لا يسير في طرق معيشته على نظام، فهو ينام ساعة يحلو له النوم، وينهض من فراشه ساعة يستطيب النهوض، ويتناول الطعام ساعة يجوع، أو ساعة يفيق من سبات الخيال فينتبه إلى أن هناك جوعا وهناك غذاء، إذن فهو عدو بطنه، يأكل اليوم في الساعة الثانية عشرة، وغدا في الساعة الثالثة، وبعد غد في الساعة العشرين، وقد لا يتناول ما يسميه الناس طعاما، وهكذا في النوم، وهكذا في النهوض.
Unknown page