Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Genres
وكانت حضارة الإمبراطورية الرومانية قد تأثرت منذ زمان بعيد بنفوذ المدنية اليونانية الهلينية، ولكن هذه الحضارة في القرنين الرابع والخامس ألقت مقاليدها إلى الشرق واتخذته إماما تأتم به في الفكر والثقافة. ومع أن اللغة اللاتينية بقيت اللغة الرسمية في الشرق؛ فإن اللغة اليونانية أصبحت - دون ريب - هي اللغة السائدة.
وأصبح النتاج الفكري والفني في الشرق آسيويا أفريقيا أكثر منه أوروبيا، ويذهب الأستاذ كرومباخر الاختصاصي الألماني إلى أن مبلغ النتاج الفكري الذي كانت تنتجه الولايات الأوروبية في الدولة الرومانية الشرقية لم يكن يتجاوز العشرة في المائة من مجموع النتاج،
3
وكانت أهم مراكز هذا النتاج: الإسكندرية وأنطاكية، وبيروت وقيصرية فلسطين، وقبدوقية والرها.
الإسكندرية
ولا يخفى أن أساتذة المتحف الإسكندري العظيم كانوا قد حرموا المخصصات اللازمة لأعمالهم منذ أوائل عهد كركلا (211)، وأن هذا الإمبراطور الغاشم كان قد طرد من الإسكندرية العلماء الغرباء عنها، ولا يخفى أيضا أن جنود زينب الزباء عندما دخلوا إلى الإسكندرية ظافرين (270) نهبوا وأحرقوا المباني العمومية التي كانت تحيط بقبر الإسكندر، واتسع هذا التخريب حتى لم ينج منه المتحف العظيم.
ومع أن هذه المؤسسة بقيت تعمل بعد القرن الثالث فإن نتاجها بات نزرا ضعيفا، فلم يشتهر من أساتذتها شهرة واسعة سوى إباتية الفيلسوفة (370-415) بنت ثيون الرياضي، وكانت جميلة الخلق والخلق، ترتدي زي الفلاسفة وتلقي الدروس في الأفلاطونية الجديدة في بعض مدارس الإسكندرية، وفي باحاتها العمومية، وعرف من تلامذتها سيناسيوس القيروني وأورستيوس الحاكم، وهو الذي كان سببا في هلاكها، فقد زجر أورستيوس الجماهير المسيحية عندما صخبت على اليهود في السنة 415، وقبض على أحد الرهبان المتهورين وشدد عليه في التعذيب فتوفي بين يديه، فثار عليه سخط الجماهير، ولما كانت إباتية معلمة وصديقة لاورستيوس فقد هاجمها الجمهور؛ إذ صادفها خارجة من بيتها وانهال عليها حتى ماتت تحت الضرب.
4
وأدى الصراع بين الوثنية والنصرانية إلى الاجتهاد في التاريخ والمنطق والفلسفة، وكان من الطبيعي جدا أن يحتدم الجدل في أمهات المدن ولا سيما الإسكندرية، وأن تعنى الكنيسة فيها بهذه العلوم العالية في سبيل الدفاع عن الإيمان، ولا نعلم بالضبط متى نشأت مدرستها اللاهوتية الفلسفية التي عرفت بالاسم اليوناني الذيذاسقاليون، والذيذاسقالية عند اليونان طريقة الشعراء في تدريب الممثلين، ويقول يوسيبيوس المؤرخ: «اشتهرت كنيسة الإسكندرية منذ عهد قديم بمدرسة للعلوم المقدسة، كان يتولى أمرها رجال عرفوا بقوة العارضة وتميزوا بالاجتهاد في الصلاح والحث على التقوى، وكان أطولهم باعا بنطينس النابغة في أدب الحكمة.»
5
Unknown page