Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Genres
ضجة في أنطاكية وبيروت
وتلطخت إدارة ثيودوسيوس بالرشوة، وكتب ليبانيوس الفيلسوف الأنطاكي إلى الإمبراطور يقول: «حكامك الذين تبعثهم إلى الولايات ليسوا سوى قتلة.» وتفاقمت أزمة مجالس الشيوخ في المدن، وفر الشيوخ واختبئوا، واضطر الإمبراطور أن يحد من نفوذ بعض الشخصيات الإقليمية، ثم جاءت السنة 387 فشرعت الحكومة المركزية تتهيأ للاحتفال بمرور عشر سنوات على حكم الإمبراطور،
21
فزادت الضرائب المفروضة، لكنها ما كادت تعلن عزمها على الجباية حتى لجأ الأنطاكيون إلى العنف، فاقتلعوا تماثيل الأباطرة وجروها في شوارع المدينة، وأحرقوا بعض الأبنية، وعلى الرغم من إعادة النظام في اليوم نفسه فإن عددا كبيرا من الأغنياء فروا واستتروا، وخشي الناس سطوة ثيودوسيوس وقسوته وظنوا أنه سيخرب المدينة، وتحركت بيروت فأعلنت ولاءها لمكسيموس في الغرب، وحذت حذوها الإسكندرية، وانبرى يوحنا الذهبي الفم تلميذ ليبانيوس، وكان لا يزال كاهنا في مسقط رأسه أنطاكية، يستغل الذعر لمصلحة الإيمان، فألف ميامره العشرين وحفظ لنا شيئا من تفاصيل تلك الحوادث،
22
وأمر ثيودوسيوس بتأليف مجلس عدلي للنظر في هذه الحوادث، واتخذ هذا المجلس مركزه في أنطاكية وحكم وقسا على الرغم من احتجاج الرهبان والأتقياء، ونزع ثيودوسيوس لقب متروبوليت عن أنطاكية وأنعم به على اللاذقية، ثم أصدر عفوا عاما قبيل عيد الفصح من السنة نفسها.
توحيد الإمبراطورية
وأحب غراتيانوس الإمبراطور القبائل الآلانية التي كانت قد فرت من سواحل بحر آزوف والتجأت إلى داخل حدود الإمبراطورية؛ خوفا من الهون البرابرة، فألحق أبناء هذه القبائل في الجيش وعطف عليهم عطفا مستمرا، فأثار بذلك حسد العناصر الأخرى في الجيش، فتمردت الكتائب الرومانية في بريطانية ونادت في السنة 383 بمكسيموس أحد النبلاء الأسبان إمبراطورا، وحذت حذوها كتائب الجيش في ألمانيا، ونزل مكسيموس بجنوده عند مصب الرين، فنهض غراتيانوس إليه وتلاقى الجيشان في منطقة باريز، ولكن عساكر الإمبراطور خانت سيدها، ففر غراتيانوس في ثلاثمائة فارس، ولحق به فرسان مكسيموس فأدركوه في ليون وقتلوه في الخامس عشر من آب سنة 383.
ثم أرسل مكسيموس يستدعي إليه والنتنيانوس الثاني أخا غراتيانوس الأصغر، معترفا بحقه بالملك مدعيا الحكم بحق الوصاية على الأمير القاصر، فأما ثيودوسيوس فحين أتته هذه الأنباء أسرع في السنة 384 إلى إيطالية لينظر في الأمر، وظن الناس أنه إنما قام ليحارب مكسيموس وليعيد الحق إلى نصابه، ولكنه أبرم مع المغتصب صلحا أعرج، فجعل مكسيموس أوغوسطا ثالثا مشترطا عليه إبقاء إيطالية بيد الإمبراطور القاصر ووالدته يوستينة، ولكن مكسيموس نكث بالشرط وزحف على إيطالية في السنة 387، ففر والنتنيانوس الثاني إلى الشرق واستقر في ثيسالونيكية، فزحف ثيودوسيوس في صيف السنة 388 بجيشه إلى حدود إيطالية وحارب مكسيموس وانتصر عليه، فاستسلم مكسيموس في أكويلية ولكن ثيودوسيوس أحاله إلى الجند فقتلوه ، وقام هو إلى ميلان وأقام فيها سنتين، وسير والنتنيانوس الثاني إلى غالية ليدبر أمورها.
فلما كانت السنة 392 قام والنتنيانوس هذا إلى فيينة ليصد هجوما بربريا قويا، فقتل فيها - على قول إحدى الروايات - وانتحر - على قول غيرها - فاختار قائد العساكر خطيبا غاليا اسمه أوجانيوس وأعلنه إمبراطورا في ليون، وانتقل هذا الإمبراطور في ربيع السنة 393 إلى إيطالية فأقام فيها، فألحت غلة زوجة ثيودوسيوس الثانية وأخت ولنتنيانوس بوجوب الاقتصاص من أوجانيوس؛ لأنها اتهمته بمقتل أخيها، فنهض ثيودوسيوس إليه في صيف السنة 394، وانتصر عليه في مداخل إيطالية الشمالية وأمر بقتله فقتل في جواقيلان، وهكذا أصبح ثيودوسيوس هو الحاكم الفرد في الإمبراطورية.
Unknown page