Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Genres
بولس
وكان الشاب الفريسي شاوول بولس يتابع التفتيش عمن اعتنق النصرانية من اليهود ليضطهدهم باسم الناموس، فقام في السنة 31 بعد الميلاد إلى دمشق ليوقف انتشار النصرانية في أوساطها اليهودية، وما إن اقترب منها حتى «أبرق حوله نور من السماء، فسقط على الأرض وسمع صوتا يقول له: شاوول، شاوول! لماذا تضطهدني؟»
10
فكان ما كان من أمر تنصره، وكان قد ولد شاوول في طرسوس بين الخامسة والعاشرة بعد الميلاد، وكان والده فريسيا متعصبا فجعل ابنه يدرس الشريعة والناموس، وأبعده عن المدارس اليونانية، ويرجح رجال الاختصاص أن ما ناله شاوول من الفلسفة اليونانية جاء عن طريق الاحتكاك الشخصي بأبنائها لا عن درس وتعليم. ورحل شاوول وهو لا يزال حدثا إلى أورشليم في طلب العلوم الدينية، فأخذ عن غمالائيل المشار إليه آنفا، وكان غمالائيل من أكبر علماء الدين في ذلك العصر، ويستدل من كتاب «أعمال بولس» الذي يرقى إلى القرن الثاني بعد الميلاد أن بولس كان مربوع القامة مائلا نحو القصر، معوج الساقين، أصلع الرأس، كثيف الحاجبين، أقنى الأنف. وجاء في رسالته الثانية إلى أهل مكورنثوس أنه «أعطي شوكة في الجسد لئلا يرتفع.»
11
ويستدل من رسائله أنه كان حاد الطبع، شجاعا جريئا، شديد العاطفة، ثاقب النظر، واسع الخيال، مقداما.
وبدأ بولس عمله التبشيري بين يهود دمشق، فضجوا وطلبوا حبسه، ولكن إخوانه في النصرانية عاونوه على الفرار، فقضى ثلاث سنوات أو أكثر في البادية يتأمل رسالته الجديدة ويبشر العرب، ثم عاد إلى أورشليم يستغفر الرسل ويبشر في الأوساط اليهودية اليونانية، ولكن هؤلاء حاولوا قتله، فأشار عليه الرسل بوجوب الابتعاد والإقامة في طرسوس مسقط رأسه، وكانت الدعوة قد لقيت نجاحا في أنطاكية - كما سبق أن أشرنا - فذهب كبير المسيحيين فيها برنابا إلى طرسوس، وجاء ببولس إلى أنطاكية، فتعاونا في الخدمة (42-45ب.م).
وكان بين المسيحيين في أنطاكية جماعة من التجار، فجمعوا مقدارا من المال ووضعوه تحت تصرف بولس وبرنابا لأجل التبشير، فقاما برحلة تبشيرية إلى قبرص وآسيا الصغرى (45-47ب.م)، ولقيا بعض النجاح، ثم عادا إلى أنطاكية، فعلما فيها أن الرسل لم يرضوا عن أعمالهما التبشيرية؛ لأنهما كانا قد قبلا في النصرانية وثنيين لم يختتنوا. وكانا يريان أن لا بد من التساهل في مثل هذه الأمور؛ لئلا تبقى النصرانية شيعة يهودية منشقة، فنزلا إلى أورشيلم (50ب.م)، وبحثا أمر الاختتان فأيدهما بطرس وعارضهما يعقوب، ثم تم الاتفاق على أن يمتنع المؤمن غير المختتن عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنى، «فإن حفظ نفسه منها فنعما يفعل ويكون معافى.»
12
وعاد بولس وبرنابا إلى أنطاكية.
Unknown page