Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Genres
15
وكان قد قام في الإسكندرية في القرن الأول بعد الميلاد فيلون اليهودي وجمع بين الحكمة اليونانية والديانة الإسرائيلية، فاستند إلى نظرية أفلاطون في الكلمة فجعلها متوسطة بين الإله والعالم، وقال إن الإله هو سبب الكلمة وإن الكلمة هي علة الروح، وإن الروح تحرك العالم بأسره وتشيع فيه حكمة الخالق، وكان أفلاطون قد فرق بين الخير الأعلى والعقل والنفس، وكان أرسطو قد جعل الإله عقلا محضا، وكان الرواقيون قد قالوا إن الله هو روح العالم. فأخذ فيلون من هؤلاء جميعا وقال إن الواحد هو مبدأ كل شيء وإنه الأقنوم الأول، وإن العقل هو الأقنوم الثاني ولكنه دون الواحد في الكمال، وإن الأقنوم الثالث هو النفس. وقال: إن الواحد هو الخير الذي يفيض عنه الوجود من غير أن ينقصه هذا الفيض شيئا، والوجود يفيض عنه لجوده كما تفيض الحرارة عن النار والنور عن الشمس، وقال: كما أن كل شيء يصدر عن الواحد فكذلك كل شيء يعود إليه، والنفس أيضا تعود إلى خالقها عن طريق الرياضة والتأمل والاستغراق والغيبة عن الوجود.
16
وأظهر تلاميذ أفلوطين بورفيريوس السوري (233-305)، ولد في البثينة من أعمال حوران وتعلم في صور، ثم درس الفلسفة على لونجينوس الحمصي في أثينة، فأعجب لونجينوس بشغفه بالعلم ومواهبه النادرة، وكان يدعى مالكا فأطلق عليه لونجينوس اسم «الأرجواني» بورفيريوس، وفي السنة 263 قام إلى رومة فلزم أفلوطين فيها واتبع طريقته، وأعجب به أفلوطين، وكان المعلم يمقت البيان ويستثقل العناية بالجمل والألفاظ، وأدرك الحاجة إلى إعادة النظر فيما كتب، فوكل ذلك إلى تلميذه بورفيريوس، فقبل التلميذ المهمة ولكنه لم ينفذ شيئا منها إلا بعد وفاة معلمه وإلحاح طلاب الفلسفة، فدون حياة أستاذه وجمع محاضراته في مجلدات ستة عرفت ب «الأقسام»
Ennead
التاسوعات وشرحها،
17
ووضع «المدخل إلى المعقولات» آخذا عن التاسوعات، و«المدخل إلى مقولات أرسطو»؛ أي كتاب الإيساغوجي، واشتهر بكتابه ضد النصرانية وجعله خمس عشرة رسالة، فانتقد نسب السيد كما جاء في متى، وادعى أن الأناجيل الأربعة متناقضة وأن بطرس وبولس غير متفقين في رسائلهما، وهاله عبث المسيحيين بالتراث الثقافي الديني اليوناني.
18
وقام في النصف الثاني من القرن الثالث في خلقيس «مجدل عنجر لبنان» يمبليخوس العيطوري يدعو إلى الأفلاطونية الجديدة ويدافع عنها، وهو تلميذ بورفيريوس أخذ عنه في رومة ودرس الرياضيات على أناتوليوس، وعاد إلى بلاده يعلم في أبامية وفي مجدل عنجر، فقال بصدور الموجودات بعضها عن بعض، ورأى أن أفلوطين حين سمى الواحد الأوحد خيرا بالذات فقد حبسه بصفة فوضع فوقه واحدا غير معين ووضع بعده العالم المعقول، فأصبح لديه حدود ثلاثة، وجعل العالم المعقول ثلاثة حدود أيضا: العقل، والصانع، وبينهما القدرة الإلهية، وجعل للعالم الاستدلالي ثلاثة حدود أخرى: الاب والقوة والفهم.
Unknown page