ولم تكن الثورة الفرنسية هي التي علمت العالم مبدأ المساواة، ولا نحتاج، لإثبات ذلك، إلى التنقيب في الجمهوريات اليونانية القديمة، فالنصرانية والإسلام قد أرشدا الناس إلى هذا المبدأ، وبيان ذلك: أن الناس متساوون في هاتين الديانتين، وهم عباد إله واحد، ولا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى.
ولكن إعلان المبدأ لا يكفي لمحافظة الناس عليه، فالكنيسة النصرانية لم تلبث أن عدلت عن مبدأ المساواة النظري، ولم يعبأ به زعماء الثورة الفرنسية إلا في خطبهم.
ويختلف معنى المساواة باختلاف الناس، فمبدأ المساواة عند بعضهم يدل على رغبة الإنسان في ألا يرى فوقه أحدا، وأن يكون كل امرئ دونه، وهو عند يعاقبة الثورة الفرنسية ويعاقبة الوقت الحاضر ينم على مقت كل أفضلية، والسعي إلى إبطال الأفضليات بإنكار التفاوت الطبيعي وتوحيد العادات والأوضاع والأزياء والمراتب.
وهذا لا يمنع من القول إنه كان ينطوي تحت تعطش زعماء الثورة الفرنسية إلى المساواة رغبة في التفاوت، وقد أدرك ناپليون ذلك فأحدث ألقاب شرف وأوسمة لهم، قال تاين:
اكتشف ناپوليون تحت كلمة الحرية وكلمة المساواة اللتين كانت أفواههم تلوكهما ميلهم إلى السيادة ورغبتهم في الأمر والنهي والتفوق، وقد رأى أن أكثرهم يطمع في المال والترف، وأنه لا فرق في ذلك بين النائب في لجنة السلامة العامة والوزير، وبين الوالي ونائبه.
والرغبة في مبدأ المساواة هي تراث الثورة الفرنسية الدائم، وأما مبدأ الحرية ومبدأ الإخاء اللذان اكتنفا مبدأ المساواة في الشعار الجمهوري فتأثيرهما ضعيف، ولم ينفعا أيام الثورة الفرنسية وفي العهد الإمبراطوري إلا في تزويق الخطب، وما زاد تأثيرهما بعد ذلك قط، فالأمم لا عهد لها بمبدأ الإخاء في زمن، ولم تبال بمبدأ الحرية إلا قليلا، وقد تركه العمال في الوقت الحاضر لنقاباتهم، والخلاصة: أن تأثير الشعار الجمهوري لم يكن في غير الظاهر، وأنه لم يبق من الثورة الفرنسية في نفوس الشعب سوى تلك الألفاظ الثلاثة المشهورة المجملة لإنجيلها، وقد نشرت هذه الألفاظ في أنحاء أوربة بجيوشها كما هو معلوم.
الباب الثاني
تأثير العقل والعاطفة والتدين والاجتماع أيام الثورة الفرنسية
الفصل الأول
روح المجلس التأسيسي
Unknown page