الغطاء صَار عيَانًا مشاهدا فَلَو كَانَ الْمَيِّت بَين النَّاس مَوْضُوعا لم يمْتَنع أَن يَأْتِيهِ الْملكَانِ ويسألانه من غير أَن يشْعر الْحَاضِرُونَ بذلك ويجيبهما من غير أَن يسمعوا كَلَامه ويضربانه من غير أَن يُشَاهد الْحَاضِرُونَ ضربه وَهَذَا الْوَاحِد منا ينَام إِلَى جنب صَاحبه فيعذب فِي النّوم وَيضْرب ويألم وَلَيْسَ عِنْد المستيقظ خبر من ذَلِك الْبَتَّةَ وَقد سرى أثر الضَّرْب والألم إِلَى جسده
وَمن أعظم الْجَهْل استبعاد شقّ الْملك الأَرْض وَالْحجر وَقد جَعلهمَا الله سُبْحَانَهُ لَهُ كالهواء للطير وَلَا يلْزم من حجبها للأجسام الكثيفة أَن تتولج حجبها للارواح اللطيفة وَهل هَذَا إِلَّا من أفسد الْقيَاس وَبِهَذَا وَأَمْثَاله كذبت الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم
فصل الْأَمر الثَّامِن أَنه غير مُمْتَنع أَن ترد الرّوح إِلَى المصلوب والغريق
والمحرق وَنحن لَا نشعر بهَا لِأَن ذَلِك الرَّد نوع آخر غير الْمَعْهُود فَهَذَا الْمغمى عَلَيْهِ والمسكوت والمبهوت أَحيَاء وارواحهم مَعَهم وَلَا تشعر بحياتهم وَمن تَفَرَّقت أجزاؤه لَا يمْتَنع على من هُوَ على كل شَيْء قدير أَن يَجْعَل للروح اتِّصَالًا بِتِلْكَ الْأَجْزَاء على تبَاعد مَا بَينهَا وقربه وَيكون فِي تِلْكَ الْأَجْزَاء شُعُور بِنَوْع من الْأَلَم واللذة وَإِذا كَانَ الله ﷾ قد جعل فِي الجمادات شعورا وإدراكا تسبح رَبهَا بِهِ وَتسقط الْحِجَارَة من خَشيته وتسجد لَهُ الْجبَال وَالشَّجر وتسبحه الْحَصَى والمياه والنبات قَالَ تَعَالَى ﴿وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم﴾ وَلَو كَانَ التَّسْبِيح هُوَ مُجَرّد دلالتها على صانعها لم يقل ﴿وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم﴾ فَإِن كل عَاقل يفقه دلالتها على صانعها وَقَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّا سخرنا الْجبَال مَعَه يسبحْنَ بالْعَشي وَالْإِشْرَاق﴾ وَالدّلَالَة على الصَّانِع لَا تخْتَص بِهَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿يَا جبال أوبي مَعَه﴾ وَالدّلَالَة لَا تخْتَص معيته وَحده وَكذب على الله من قَالَ التأويب رَجَعَ الصدى فَإِن هَذَا يكون لكل مصوت وَقَالَ تَعَالَى ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَالْجِبَال وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَكثير من النَّاس وَالدّلَالَة على الصَّانِع لَا تخْتَص بِكَثِير من النَّاس وَقد قَالَ تَعَالَى ألم تَرَ أَن الله يسبح لَهُ من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالطير صِفَات كل قد علم صلَاته وتسبيحه فَهَذِهِ صَلَاة وتسبيح حَقِيقَة يعلمهَا الله وَإِن جَحدهَا الجاهلون المكذبون وَقد أخبر تَعَالَى عَن الْحِجَارَة أَن بَعْضهَا يَزُول عَن مَكَانَهُ وَيسْقط من خَشيته وَقد أخبر عَن الأَرْض وَالسَّمَاء أَنَّهُمَا يأذنان لَهُ وقولهما ذَلِك أى يستعمان كَلَامه وَأَنه خاطبهما فسمعا خطابه وأحسنا جَوَابه فَقَالَ لَهما ﴿ائتيا طَوْعًا أَو كرها قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين﴾ وَقد كَانَ الصَّحَابَة يسمعُونَ تَسْبِيح الطَّعَام
1 / 72