فَإِن قيل فَعِنْدَ النفخ فِي الصُّور هَل تبقى الْأَرْوَاح حَيَّة كَمَا هِيَ أَو تَمُوت ثمَّ تحيا قيل قد قَالَ تَعَالَى وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله فقد اسْتثْنى الله سُبْحَانَهُ بعض من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض من هَذَا الصَّعق
فَقيل هم الشُّهَدَاء هَذَا قَول أَبى هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير
وَقيل هم جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت وَهَذَا قَول مقَاتل وَغَيره
وَقيل هم الَّذين فِي الْجنَّة من الْحور الْعين وَغَيرهم وَمن فِي النَّار من أهل الْعَذَاب وخزنتها قَالَه أَبُو إِسْحَق بن شاقلا من أَصْحَابنَا
وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على أَن الْحور الْعين والولدان لَا يمتن عِنْد النفخ فِي الصُّور وَقد أخبر سُبْحَانَهُ أَن أهل الْجنَّة ﴿لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى﴾ وَهَذَا نَص على أَنهم لَا يموتون غير تِلْكَ الموتة الأولى فَلَو مَاتُوا مرّة ثَانِيَة لكَانَتْ موتتان وَأما قَول أهل النَّار ﴿رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ﴾ فتفسير هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة وَهِي قَوْله تَعَالَى ﴿كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ فَكَانُوا أَمْوَاتًا وهم نطف فِي أصلاب آبَائِهِم وَفِي أَرْحَام أمهاتهم ثمَّ أحياهم بعد ذَلِك ثمَّ أماتهم ثمَّ يحييهم يَوْم النشور وَلَيْسَ فِي ذَلِك اماتة أَزوَاجهم قبل يَوْم الْقِيَامَة وَإِلَّا كَانَت ثَلَاث موتات وصعق الْأَرْوَاح عِنْد النفخ فِي الصُّور وَلَا يلْزم مِنْهُ مَوتهَا فَفِي الحَدِيث لصحيح ان النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أول من يفِيق فَإِذا مُوسَى آخذ بقائمة الْعَرْش فَلَا أدرى افاق قبلى أم جوزى بصعقة يَوْم الطّور
فَهَذَا صعق فِي موقف الْقِيَامَة إِذا جَاءَ الله تَعَالَى لفصل الْقَضَاء وأشرقت الأَرْض بنوره فَحِينَئِذٍ تصعق الْخَلَائق كلهم قَالَ تَعَالَى ﴿فذرهم حَتَّى يلاقوا يومهم الَّذِي فِيهِ يصعقون﴾ وَلَو كَانَ هَذَا الصَّعق موتا لكَانَتْ موتَة أُخْرَى وَقد تنبه لهَذَا جمَاعَة من الْفُضَلَاء فَقَالَ أَبُو عبد الله القرطبى ظَاهر هَذَا الحَدِيث ان هَذِه صعقة غشى تكون يَوْم الْقِيَامَة لاصعقة الْمَوْت الْحَادِثَة عَن نفخ الصُّور قَالَ وَقد قَالَ شَيخنَا أَحْمد بن عَمْرو وَظَاهر حَدِيث النَّبِي يدل على أَن هَذِه الصعقة إِنَّمَا هِيَ بعد النفخة الثَّانِيَة نفخة الْبَعْث وَنَصّ الْقُرْآن يقتضى أَن ذَلِك الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا هُوَ بعد نفخة الصَّعق وَلما كَانَ هَذَا قَالَ بعض الْعلمَاء يحْتَمل أَن يكون مُوسَى مِمَّن لم يمت من الْأَنْبِيَاء وَهَذَا بَاطِل وَقَالَ القَاضِي عِيَاض يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهَذِهِ صعقة فزع بعد النشور حِين تَنْشَق السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ فتستقل الْأَحَادِيث والْآثَار ورد عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس القرطبى فَقَالَ يرد هَذَا قَوْله فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه حِين يخرج من قَبره يلقى مُوسَى آخِذا بقائمة الْعَرْش قَالَ وَهَذَا إِنَّمَا عِنْد نفخة الْفَزع
1 / 35