Ruh Cazim Mahatma Ghandi
روح عظيم المهاتما غاندي
Genres
وكان يجمع من المال ما وسعه أن يجمع لتموين العمال المضربين، ويمضي في تنظيم المزارع النموذجية ليستخرج لهم منها بعض القوت الكفاف، وهو أكثرهم في العمل وأقلهم في نصيبه من الغذاء، وليست وسائله هذه بالوسائل التي تغني في انتظام معيشة يعتمد عليها الألوف من العمال المضربين إلى أجل طويل، ولكنها كافية لتعجيز المصانع والشركات عن الانتظام، أو تعجيزها عن مقاومة الإضراب وذلك هو المقصود.
وطال صبر الفتى القديس عشرين سنة، ولم يطل صبر المصانع والشركات، ولا صبر الجند وولاة الأمور، فانتصر وانكسروا وأفلحت هذه المقاومة العجيبة في تحطيم سلاح القوة وتحطيم سلاح القانون. واضطرت حكومات الجنوب إلى نسخ كثير من القوانين التي تحجر على حرية العمال الملونين في الإقامة، أو تقتر عليهم في الأجور، أو تسومهم الطاعة لما لا يطاق من الغبن والإجحاف.
غاندي في أفريقية الجنوبية.
وكأنما كان غاندي يحس في أيام أفريقية الجنوبية أنه قد نوى الصمود على جهاد لا تجدي فيه أنصاف القوى، فلا غنى له عن عدته الروحية الكاملة، أو لا عدة له على الإطلاق.
ففي أفريقية الجنوبية - وهو يناهز السادسة والثلاثين - نذر النسك والتبتل، أو نذر ما يسميه الهنود «بالبرهماشاريا» أي: الإعراض عن الجسد والسلوك إلى الله، واتفق وزوجه على هذا النذر، فأصبح يدعوها بعد ذلك «با» أو يا أماه.
وللروح - إن صح التعبير - عضلاتها كما للجسم عضلاته، وللصراع في إبرام تلك العضلات أثر كأثره في إبرام هذه العضلات. فلما عاد غاندي إلى الهند بعد صراعه الطويل في أفريقية الجنوبية، عاد بروح قد عرف كيف يلوي الحديد.
عاد إلى الهند بعد نيف وعشرين سنة (1915)، فإذا بسمعته تسبقه إلى كل بقعة من بقاعها: سمعة القديس بل سمعة المخلص الموعود أو «الأفاتارا»
Avatara
الذي تنتظره الهند أبدا في أزمة الضيق والأمل .
وكان أمل الهند في الخلاص قد تجدد في أوائل القرن العشرين. لأن أبناءها الذين خيل إليهم زمنا أن الاستعباد ضربة لازب عليهم وعلى أمثالهم من الأسيويين، قد أفاقوا يوما فإذا بدولة أسيوية لا تبلغ عدتها خمس عدتهم قد سخرت الجيوش والأساطيل على أحدث نظام، فقهرت بها دولة من أكبر الدول شهرة بالقوة والبأس بين الهنود والأسيويين على التعميم. كانت غلبة اليابان على روسيا مبعث رجاء جديد في جميع الأقطار الأسيوية التي منيت ببلاء الاستعمار، وجاءت الحرب العالمية الأولى بعد ذلك بأقل من عشر سنوات، فكشفت لأبناء الهند عن حاجة الدولة الأوروبية الأولى - الدولة التي تسيطر عليهم - إلى معونة منهم لمقاومة خصومها أو لإنقاذ كيانها.
Unknown page