فهو وإن أخفاه وستره علمت نفسه أن الناس يحسون بذلك منه، ويشعرون به، فيأنس بعلم الناس، وملاحظة أعينهم إليه، فلا يصفوا له عمل، ولا يقدر أن يخلص بأكثر من هذا، فيقبل منه إذا رد الذي عرض له من ذلك قبول الصادقين، لا قبول الصديقين.
فينبغي للمبتدئ في هذا الأمر أن يبدأ بالصوم، فيصوم شهرين متتابعين، توبة من الله ﷿، وعد الله ﷿ في تنزيله أن شهرين توبة من الله ﷿ لعبده إذا تابعهما، ثم ينتقل من الصوم إلى الإفطار، فيطعم اليسير من الشيء يتجزأ به، فإن كان في اليوم مرارًا كسرة كسرة، فهو أجود له من أن يملأ بطنه، فيصيرها أكلة، وإنما ذلك محمود عند الأطباء، فتقول أكلة واحدة كي يستمر بها، وذلك لا يدخل في هذا الباب، لأن صاحب هذا لا يأكل حتى يتخم، إنما نشير عليه
بأن يأكل كسرة كسرة قوتًا، فيداري نفسه على ذلك وبين الأيام دسمًا قليلًا، لئلا تهيج عليه الرياح، وتضطرب العروق، ويقطع الإدام والفواكه عن نفسه. وكذلك في الكسوة، يجتزئ بالدون وما لا بد منه. وكذلك في سائر الأحوال التي للنفس فيها حظ من الفرح واللذة يقطعها عن نفسه، ومجالسه الإخوان، والنظر في الكتب، فهذا كله أفراح النفس وجماعها.
1 / 53