ـ[رياض الصالحين]ـ
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: ٦٧٦ هـ)
تعليق وتحقيق: الدكتور ماهر ياسين الفحل رئيس قسم الحديث - كلية العلوم الإسلامية - جامعة الأنبار
الناشر: دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق - بيروت
الطبعة: الأولى، ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
عدد الأجزاء: ١
أعده للشاملة/ واسم كان الإندونيسي
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. «وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحجةً على الخلائق أجمعين» (١) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١]. أما بعد: فإني أحمد الله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا على إنهاء العمل بهذا الكتاب العظيم " رياض الصالحين "، ذلك الكتاب الذي كان من أول كتب العلم قراءةً لي، وكنت دائمًا أرجع إلى هذا الكتاب وأحفظ من أحاديثه وأنصح الناس في العناية به؛ لأنَّه كتاب كله نور، كيف لا وقد ضمّ بين دفّتيه أهم ما يحتاجه المسلم في حياته وعباداته؛ لذلك انعقدت النية على العناية به عنايةً متميزةً مع التأكيد في التعليق على اتباع منهج السلف الصالح. والكتاب قد طبع طبعاتٍ عديدة واعتنى به عدد من الأفاضل من المختصين بهذا الشأن فأردت أَنْ أُشرك نفسي معهم في طبعةٍ متميزةٍ راجيًا من الله أَنْ ينفعني بها يوم الدين يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. _________ (١) من مقدمة زاد المعاد للعلامة ابن القيم ١/ ٣٤.
وقد كلفت الأخ الفاضل الدكتور سليمان بن عبد الله الميمان بالحصول على نسخ خطية للكتاب تعود إلى عصر المؤلف، وقد تأخر الأمر عليَّ أكثر من عامٍ ونصف فاجتهدت في ضبط النص على النسخ المطبوعة مع الرجوع إلى موارد المصنف من كتب السنة المشرفة. أما التخريج فجعلته مختصرًا على ما يذكره المصنف خشية تضخم حواشي الكتاب. وفيما يتعلق بالصحيحين فقد أحلت إلى صحيح البخاري بالجزء والصفحة على الطبعة الأميرية ثم أردفته برقم الحديث من فتح الباري ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وأحلت إلى صحيح مسلم بالجزء والصفحة للطبعة الإستانبولية ثم أردفته برقم الحديث في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي؛ وذلك لانتشار هذه الطبعات وتداولها. وأما التعليق على الأحاديث فقد شرحت بعض الغريب الذي لم يذكره المصنف وعلّقت على بعض الأشياء مما يحتاجه المسلم في حياته وعبادته، وكان جُلُّ ذلك بالاعتماد على كتب أهل العلم لا سيما كتاب شرح النووي على صحيح مسلم، وفتح الباري، وشرح رياض الصالحين للعلامة ابن عثيمين رحم الله الجميع. وأنا أنصح كل مسلم بالاهتمام بهذا الكتاب العظيم كتاب " رياض الصالحين "، وأنصح بمداومة قراءته مرة بعد مرة، والاهتمام بحفظ أحاديثه، وعلى صاحب العائلة أَنْ يفقّه عائلته بهذا الكتاب. وكذا أنصح كل مسلم بالاهتمام بتوحيد الله «فَإنَّ التَّوحيدَ حقيقتُهُ: أَنْ تَرى الأُمورَ كُلَّها مِنَ اللهِ تَعالى رؤيةً تقطعُ الالتفاتَ عن الأسبابِ والوسائطِ، فلا ترى الخيرَ والشَّرَّ إلاَّ منه تعالى. وهذا المقامُ يُثمرُ التوكُّلَ، وتركَ شِكايةِ الخلقِ، وتركَ لومِهِم، والرِّضا عن اللهِ تعالى، والتّسليمَ لحكمِه. وإِذا عرفتَ ذلكَ؛ فاعلمْ أَنَّ الرُّبوبيَّةَ منه تعالى لعبادِهِ، والتَّألُّه من عبادِه له سبحانه، كما أَنَّ الرحمةَ هي الوصلةُ بينهم وبينَهُ ﷿. واعلَم أَنَّ أَنْفسَ الأَعمالِ، وأَجلَّها قدرًا: توحيدُ اللهِ تعالى غَير أَنَّ التوحيدَ له قِشران: الأوَّل: أَنْ تقولَ بِلِسَانِك: «لا إله إلاَّ اللهُ» ويُسمَّى هذا القولُ: توحيدًا، وهو مناقضُ التَّثْليثِ الذي تعتقدُه النَّصارى. وهذا التوحيدُ يصدُرُ - أَيضًا - من المنافقِ الَّذي يُخالفُ سرُّه جهرَه. والقِشْرُ الثَّاني: أَنْ لا تكونَ في القلبِ مخالفةٌ، ولا إِنكارٌ لمفهومِ هذا القولِ، بل يشتملُ القلبُ على اعتقادِ ذلك، والتصديق به، وهذا هو توحيدُ عامةِ النَّاسِ.
ولُبابُ التَّوحيد: أَنْ يَرى الأُمورَ كُلَّها من اللهِ تعالى، ثم يقطعُ الالتفاتَ عن الوسائطِ، وأَنْ يعبدَه سبحانه عبادةً يفردُه بها ولا يعبد غيرَه». (١) أخي قارئ هذا الكتاب، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦] فأنت أيها المسلم الغيور تتميز عن غيرك من الناس بسمات الشرف والكرامة والغيرةِ على نفسك وعلى إخوتك المسلمين، فاحرص كل الحرص على أَنْ لا تفوتك فرصة كسب الثواب من الله بنشر ما يرضيه سبحانه، واعلم أخي الكريم: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦]. أخي الكريم: إنَّ رحمة الله لا تنال بالأماني ولا بالأنساب ولا بالوظائف ولا بالأموال، إنما تنال بطاعة الله ورسوله واتباع شريعته وذلك يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلنحذر جميعًا كل ما يغضب الله ولنمض إلى الله قدمًا بلا تردد بتوبة صادقة قبل فوات الأوان ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾] النور: ٦٣ [، واعلم أنَّ الله خلق لكل إنسان أنفاسًا معدودة وساعات محدودة، عند انقضائها تقف دقات قلبه، ويطوى سجله، ويحال بينه وبين هذه الدار، إما إلى دار أنس وبهجة، وإما إلى دار شقاء ووحشة، فمن زرع كلمات طيبة وأعمالًا صالحة أدخله الله الجنة ونعّمه بالنعيم المقيم، ومن زرع أعمالًا سيئة وكلمات قبيحة دخل النار، قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩] وتذكّر قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨] فكل ما تعمله في هذه الدنيا الفانية تنال جزاءه إن خيرًا فخير وإن شرًا فشرٌ، وتذكّر دائمًا أنَّ الحياة نفس يذهب ولا يرجع، ولا ينفع الندم بعدها فاعمل لنفسك ولا تقدّم ما يفنى على ما يبقى. أخي الكريم: إنَّ أجمل سعادة وأعظم لذة يجدها الإنسان في هذه الحياة الفانية هي طاعة الله ومحبته والقرب إليه وكثرة الدعاء وقد صرّح تائبون كثيرون بأنّهم وجدوا أعظم متعة تمتعوها هي القرب إلى الله تعالى وحسن الظن به وكثرة مراقبته، وأكثِرْ من الدعاء والذكر والاستغفار فلك في _________ (١) انظر: تجريد التوحيد المفيد للعلامة أحمد بن علي المقريزي المتوفى (٨٤٥): ٣٨ - ٣٩.
كل تسبيحة عشر حسنات، حاولْ أَنْ لا تجعل وقتك يذهب سدى، أكثرْ من قراءة القرآن فلك في كل حرف عشر حسنات، اقرأْ كتب العلم والأحاديث النبوية، فَقِّه نفسك بأمور دينك، عليك بكثرة التطوع والإكثار من صلاة النافلة، وقد قال النبي ﷺ: «إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة وحط عنك بها خطيئة» (١). كُنْ داعيًا إلى الله تعالى، كُنْ آمرًا للناس بالمعروف وناهيًا لهم عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣]، إياك وأعراض الناس لا تذكر أحدًا بسوء، ولا تغتب أحدًا، ولا تؤذي أحدًا، وقد قال النَّبيُّ ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (٢)، وقال أيضًا: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله» (٣)، وهذا نبينا الكريم قد حذرنا من احتقار المسلمين فقال: «بحسب امرئ من الشر أَنْ يحقر أخاه المسلم» (٤) فإذا كان استحقاره عظيمًا عند الله فكيف بإنزال الضُّرِّ به. كُنْ رقيبًا على نفسك ولسانك فكل كلام تنطقه تحاسب عليه إنْ كان خيرًا فخيرٌ وإنْ كان شرًا فشرٌ، وقد قال النَّبيُّ ﷺ: «إنَّك لم تزل سالمًا ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك» (٥)، وقال أيضًا: «رحم الله عبدًا قال خيرًا فغنم أو سكت عن شر فسلم» (٦) حافِظْ على نظرك فلا تنظر إلى محرّم، وحافظ على سمعك فلا تسمع محرّمًا، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦]. حافظ على جوارحك فلا تفعل محرّمًا. ولا تنظر إلى صغر المعصية وتحسب الأمر هينًا، ولكن انظر إلى من تعصي. _________ (١) جزء من حديث رواه مسلم من حديث ثوبان مولى رسول الله، وهو مخرج في هذا الكتاب برقم (١٠٧). (٢) جزء من حديث رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو مخرج في هذا الكتاب برقم (١٥٦٥). (٣) أخرجه: مسلم من حديث أبي هريرة، وهو مخرج في هذا الكتاب برقم (١٥٢٧). (٤) جزء من حديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، وهو مخرج في هذا الكتاب برقم (٢٣٥). (٥) المعجم الكبير للطبراني ٢٠/ ٧٣ (١٣٧) من حديث عبد الرحمان بن غنم، قال الهيثمي في المجمع ١٠/ ٣٠٠: «رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات». (٦) سلسلة الأحاديث الصحيحة (٨٥٥)، وقال الشيخ الألباني ﵀: «الحديث عندي حسن بمجموع هذه الطرق».
الزم هذا الدعاء: «اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة». هذا وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وكتب ماهر بن ياسين بن فحل الدكتور العراق - الأنبار - الرمادي دار الحديث ٢٦/ ٢/١٤٢٦هـ
بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. «وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحجةً على الخلائق أجمعين» (١) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١]. أما بعد: فإني أحمد الله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا على إنهاء العمل بهذا الكتاب العظيم " رياض الصالحين "، ذلك الكتاب الذي كان من أول كتب العلم قراءةً لي، وكنت دائمًا أرجع إلى هذا الكتاب وأحفظ من أحاديثه وأنصح الناس في العناية به؛ لأنَّه كتاب كله نور، كيف لا وقد ضمّ بين دفّتيه أهم ما يحتاجه المسلم في حياته وعباداته؛ لذلك انعقدت النية على العناية به عنايةً متميزةً مع التأكيد في التعليق على اتباع منهج السلف الصالح. والكتاب قد طبع طبعاتٍ عديدة واعتنى به عدد من الأفاضل من المختصين بهذا الشأن فأردت أَنْ أُشرك نفسي معهم في طبعةٍ متميزةٍ راجيًا من الله أَنْ ينفعني بها يوم الدين يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. _________ (١) من مقدمة زاد المعاد للعلامة ابن القيم ١/ ٣٤.
وقد كلفت الأخ الفاضل الدكتور سليمان بن عبد الله الميمان بالحصول على نسخ خطية للكتاب تعود إلى عصر المؤلف، وقد تأخر الأمر عليَّ أكثر من عامٍ ونصف فاجتهدت في ضبط النص على النسخ المطبوعة مع الرجوع إلى موارد المصنف من كتب السنة المشرفة. أما التخريج فجعلته مختصرًا على ما يذكره المصنف خشية تضخم حواشي الكتاب. وفيما يتعلق بالصحيحين فقد أحلت إلى صحيح البخاري بالجزء والصفحة على الطبعة الأميرية ثم أردفته برقم الحديث من فتح الباري ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وأحلت إلى صحيح مسلم بالجزء والصفحة للطبعة الإستانبولية ثم أردفته برقم الحديث في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي؛ وذلك لانتشار هذه الطبعات وتداولها. وأما التعليق على الأحاديث فقد شرحت بعض الغريب الذي لم يذكره المصنف وعلّقت على بعض الأشياء مما يحتاجه المسلم في حياته وعبادته، وكان جُلُّ ذلك بالاعتماد على كتب أهل العلم لا سيما كتاب شرح النووي على صحيح مسلم، وفتح الباري، وشرح رياض الصالحين للعلامة ابن عثيمين رحم الله الجميع. وأنا أنصح كل مسلم بالاهتمام بهذا الكتاب العظيم كتاب " رياض الصالحين "، وأنصح بمداومة قراءته مرة بعد مرة، والاهتمام بحفظ أحاديثه، وعلى صاحب العائلة أَنْ يفقّه عائلته بهذا الكتاب. وكذا أنصح كل مسلم بالاهتمام بتوحيد الله «فَإنَّ التَّوحيدَ حقيقتُهُ: أَنْ تَرى الأُمورَ كُلَّها مِنَ اللهِ تَعالى رؤيةً تقطعُ الالتفاتَ عن الأسبابِ والوسائطِ، فلا ترى الخيرَ والشَّرَّ إلاَّ منه تعالى. وهذا المقامُ يُثمرُ التوكُّلَ، وتركَ شِكايةِ الخلقِ، وتركَ لومِهِم، والرِّضا عن اللهِ تعالى، والتّسليمَ لحكمِه. وإِذا عرفتَ ذلكَ؛ فاعلمْ أَنَّ الرُّبوبيَّةَ منه تعالى لعبادِهِ، والتَّألُّه من عبادِه له سبحانه، كما أَنَّ الرحمةَ هي الوصلةُ بينهم وبينَهُ ﷿. واعلَم أَنَّ أَنْفسَ الأَعمالِ، وأَجلَّها قدرًا: توحيدُ اللهِ تعالى غَير أَنَّ التوحيدَ له قِشران: الأوَّل: أَنْ تقولَ بِلِسَانِك: «لا إله إلاَّ اللهُ» ويُسمَّى هذا القولُ: توحيدًا، وهو مناقضُ التَّثْليثِ الذي تعتقدُه النَّصارى. وهذا التوحيدُ يصدُرُ - أَيضًا - من المنافقِ الَّذي يُخالفُ سرُّه جهرَه. والقِشْرُ الثَّاني: أَنْ لا تكونَ في القلبِ مخالفةٌ، ولا إِنكارٌ لمفهومِ هذا القولِ، بل يشتملُ القلبُ على اعتقادِ ذلك، والتصديق به، وهذا هو توحيدُ عامةِ النَّاسِ.
ولُبابُ التَّوحيد: أَنْ يَرى الأُمورَ كُلَّها من اللهِ تعالى، ثم يقطعُ الالتفاتَ عن الوسائطِ، وأَنْ يعبدَه سبحانه عبادةً يفردُه بها ولا يعبد غيرَه». (١) أخي قارئ هذا الكتاب، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦] فأنت أيها المسلم الغيور تتميز عن غيرك من الناس بسمات الشرف والكرامة والغيرةِ على نفسك وعلى إخوتك المسلمين، فاحرص كل الحرص على أَنْ لا تفوتك فرصة كسب الثواب من الله بنشر ما يرضيه سبحانه، واعلم أخي الكريم: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦]. أخي الكريم: إنَّ رحمة الله لا تنال بالأماني ولا بالأنساب ولا بالوظائف ولا بالأموال، إنما تنال بطاعة الله ورسوله واتباع شريعته وذلك يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلنحذر جميعًا كل ما يغضب الله ولنمض إلى الله قدمًا بلا تردد بتوبة صادقة قبل فوات الأوان ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾] النور: ٦٣ [، واعلم أنَّ الله خلق لكل إنسان أنفاسًا معدودة وساعات محدودة، عند انقضائها تقف دقات قلبه، ويطوى سجله، ويحال بينه وبين هذه الدار، إما إلى دار أنس وبهجة، وإما إلى دار شقاء ووحشة، فمن زرع كلمات طيبة وأعمالًا صالحة أدخله الله الجنة ونعّمه بالنعيم المقيم، ومن زرع أعمالًا سيئة وكلمات قبيحة دخل النار، قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩] وتذكّر قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨] فكل ما تعمله في هذه الدنيا الفانية تنال جزاءه إن خيرًا فخير وإن شرًا فشرٌ، وتذكّر دائمًا أنَّ الحياة نفس يذهب ولا يرجع، ولا ينفع الندم بعدها فاعمل لنفسك ولا تقدّم ما يفنى على ما يبقى. أخي الكريم: إنَّ أجمل سعادة وأعظم لذة يجدها الإنسان في هذه الحياة الفانية هي طاعة الله ومحبته والقرب إليه وكثرة الدعاء وقد صرّح تائبون كثيرون بأنّهم وجدوا أعظم متعة تمتعوها هي القرب إلى الله تعالى وحسن الظن به وكثرة مراقبته، وأكثِرْ من الدعاء والذكر والاستغفار فلك في _________ (١) انظر: تجريد التوحيد المفيد للعلامة أحمد بن علي المقريزي المتوفى (٨٤٥): ٣٨ - ٣٩.
كل تسبيحة عشر حسنات، حاولْ أَنْ لا تجعل وقتك يذهب سدى، أكثرْ من قراءة القرآن فلك في كل حرف عشر حسنات، اقرأْ كتب العلم والأحاديث النبوية، فَقِّه نفسك بأمور دينك، عليك بكثرة التطوع والإكثار من صلاة النافلة، وقد قال النبي ﷺ: «إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة وحط عنك بها خطيئة» (١). كُنْ داعيًا إلى الله تعالى، كُنْ آمرًا للناس بالمعروف وناهيًا لهم عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣]، إياك وأعراض الناس لا تذكر أحدًا بسوء، ولا تغتب أحدًا، ولا تؤذي أحدًا، وقد قال النَّبيُّ ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (٢)، وقال أيضًا: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله» (٣)، وهذا نبينا الكريم قد حذرنا من احتقار المسلمين فقال: «بحسب امرئ من الشر أَنْ يحقر أخاه المسلم» (٤) فإذا كان استحقاره عظيمًا عند الله فكيف بإنزال الضُّرِّ به. كُنْ رقيبًا على نفسك ولسانك فكل كلام تنطقه تحاسب عليه إنْ كان خيرًا فخيرٌ وإنْ كان شرًا فشرٌ، وقد قال النَّبيُّ ﷺ: «إنَّك لم تزل سالمًا ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك» (٥)، وقال أيضًا: «رحم الله عبدًا قال خيرًا فغنم أو سكت عن شر فسلم» (٦) حافِظْ على نظرك فلا تنظر إلى محرّم، وحافظ على سمعك فلا تسمع محرّمًا، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦]. حافظ على جوارحك فلا تفعل محرّمًا. ولا تنظر إلى صغر المعصية وتحسب الأمر هينًا، ولكن انظر إلى من تعصي. _________ (١) جزء من حديث رواه مسلم من حديث ثوبان مولى رسول الله، وهو مخرج في هذا الكتاب برقم (١٠٧). (٢) جزء من حديث رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو مخرج في هذا الكتاب برقم (١٥٦٥). (٣) أخرجه: مسلم من حديث أبي هريرة، وهو مخرج في هذا الكتاب برقم (١٥٢٧). (٤) جزء من حديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، وهو مخرج في هذا الكتاب برقم (٢٣٥). (٥) المعجم الكبير للطبراني ٢٠/ ٧٣ (١٣٧) من حديث عبد الرحمان بن غنم، قال الهيثمي في المجمع ١٠/ ٣٠٠: «رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات». (٦) سلسلة الأحاديث الصحيحة (٨٥٥)، وقال الشيخ الألباني ﵀: «الحديث عندي حسن بمجموع هذه الطرق».
الزم هذا الدعاء: «اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة». هذا وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وكتب ماهر بن ياسين بن فحل الدكتور العراق - الأنبار - الرمادي دار الحديث ٢٦/ ٢/١٤٢٦هـ
Unknown page