فدنوت من ذلك السرب، وأنا ذاهل اللب، معنى بشواغل الحب، وقلت وقد عقل الهوى لساني، وقيد الغرام جنابي، حيا الله هذه الوجوه النواضر، والمحاسن التي هي شرك النفوس، وقيد النواظر، أما ترثون لقتيل غرام، وأسير هيام، وحليف سقام، وصاحب دموع سجام، ومعنى قد عدم الجلد، وقارن الكمد، وملكت العيون فؤاده، ونفت عن جفنه رقاده، ترك الوقار، وكان من أهله وسلب القرار، لذهاب عقله، يسامر النجوم، ويساور الهموم، ويعاني حرق الغليل، ويعرض نفسه للهم العريض الطويل.
من الكامل
يبيت كما بات السليم مسهدا ... وفي قلبه نار يشب لها وقد
وقد هجر الخلان من غير ما قلى ... وأفرده الهم المبرح والوجد
فانبرت من بينهن تلك الظبية الأدماء، والغادة الحوراء، واسطة العقد، وفريدته، ودمية القصر، وخريدته، وقالت وأنت حيا الله دارك، ولا ابعد مزارك، وأكرم إيرادك، وأصدارك، ورفع قدرك، وأعلى منارك، ما الذي جشمك هذه الخطا، وعلام وقفت موقفا كنت نعد الوقوف فيه من الخطا، ومثلك لا يعذر إذا آتى غلطا، أو رام شططا، وكيف غررت بنفس كنت تصونها وأهنتها، وعهدي بك لا تهينها، وعلام أرخيت رسنها، حتى جرت في ميدانها، وأعطيتها في طلق الخلاعة فاضل عنانها، كيف أنسيت الحكم التي كنت نوردها، وهل صدقت بعوادي الهوى التي كنت تستبعدها، أين مواعظك في كف النظر، وزواجرك في غض البصر، فسقت إلى نفسك تعبا، وحملتها بالنظر إلينا على رغمك نصبا، أما علمت أن دم قتيل الهوى مباح، وانه لا حرج على قاتله ولا جناح، وان ناره لا يطلب، وهامته لا تشرب، ألم يقل الشاعر من الرجز
يا مغمدا في القلب سيف لحظه ... الله من دم بغير ثائر
ومن غرام ما له من أول ... فيك وليل ما له من آخر
وقال آخر وتروى للشافعي ﵁: من الطويل
خذوا بدمي ذاك الغزال فإنه ... رماني بسهمي مقلتيه على عمد
ولا تقتلوه أنني أنا عبده ... وفي مذهبي لا يؤخذ الحر بالعبد
هل أجدى ذلك الحذر، حين أوقعك القدر، أما تعلم أن من عير إنسانا ابتلى بدائه، ومن حكم على الأقضية فقد أزرى برأيه، فرابني معرفتها بالقديم والحديث، وأخذت أجاذبها أطراف الحديث، وقد علمت أنها المقصودة بالكلام، المهدية إلي حر الشوق والغرام، ومن القلوب على القلوب شواهد صادقة، والعين تعرف من عيني محدثها صحة الموافقة، فقلت من تعنين بهذه الأقوال، وإلى من الإشارة، بهذه الأحوال، ومن الحذر الذي أتى من مأمنه، والمغرر الذي ألبسه الغرام ثوب حزنه، فقالت اللهم غفرًا الست الذي سارت في الآفاق أخباره، وظهرت على صفحات الأيام آثاره، وتنقلت تنقل الشمس رسائله وأشعاره،؟. الست ذا البيان الذي ينفث سحره في العقد، وصاحب اللالي المنظومة والدر البدر،؟. الست ذا الأشعار الناصعة، والخطب الرائعة والنوادر الشائعة، والمعاني التي كل الأسماع إليها مصيخة ولها سامعة، والرسائل التي هي لرسائل الأوائل قارعة، كم جريت في ميدان الأدب طلق العنان، وغيرت بمحاسنك في وجوه فضلاء الزمان، وأتيت بالأوابد الفرائد، والغرر والقلائد والملح الشوارد والمقطعات والقصائد، طالما ففخرت الأسماع على النواضر، وكم كتبت فما نوار الخمائل النواضر، من الطويل
كتبت فلولا أن هذا محلل ... وذاك حرام قست خطك بالسحر
فوالله ما أدري أزهر خميلة ... بطرسك أم در يلوح على نحر
فإن كان زهرًا فهو صنع سحابة ... وإن كان درا فهو من لجة البحر
فهل شعرك الشعري العبور، أم هل نثرك النثرة أم المنثور، أنت أنت في فضائلك التي لا تجاري، وآدابك أدبك فلا تساجل ولا تباري.
من الكامل
في خطة من كل قلب شهوة ... حتى كان مدادة الأهواء
ولكل عين قرة في قربه ... حتى كان مغيبة الأقذاء
ألقى إليك الفصحاء بالمقاليد، وأقر لك البحتري وعبد الحميد، والصاحب وابن العميد، وان شئت مزيد صفة فسلني عن المزيد،
من مخبر الأعراب أني بعدهم ... لاقيت رسطاليس والاسكندرا
ورأيت كل الفاضلين كأنما ... رد الإله زمانا وإلا عصرا
فسقوا لنا نسق الحساب مقدما ... وأتى فذلك إذ أتيت مؤخرا
1 / 3